الصحافة _ وكالات
نشر موقع ميدل إيست آي البريطاني مقالا للصحفي والكاتب جوناثان كوك تناول فيه استخدام الاحتلال الإسرائيلي للتقنيات لاستهداف الفلسطينيين من خلال التجسس عليهم وتوسيع ذلك ليشمل التجسس على دول غربية.
وفي المقال، يرى كوك أن إسرائيل تعمل على “تحويل أسلحة العصر الرقمي التي طورتها لاضطهاد الفلسطينيين لتشمل دائرة أوسع من التطبيقات بحيث تمارس ضد الشعوب الغربية التي طالما اعتبرت حرياتها من الأمور البديهية”.
ويشير الكاتب البريطاني إلى تقرير في صحيفة هآرتس اعتبرت فيه أن “عملية المراقبة التي تمارسها إسرائيل ضد الفلسطينيين من أضخم عمليات المراقبة في العالم، وهي تشتمل على رصد وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي وجميع البشر”.
ويلفت الكاتب إلى أن إسرائيل “التي طالما كانت رائدة في العالم في تجارة السلاح (..) ما لبثت هذه التجارة في المعدات العسكرية التقليدية أن اقتحمت عليها سوق برامج الكومبيوتر الحربية التي باتت أدوات تستخدم في شن الحروب السيبرانية”.
ويوضح “يزداد الطلب على مثل هذه الأسلحة، أسلحة العصر الحديث، من قبل دول باتت تستخدمها ليس فقط ضد الأعداء الخارجيين، وإنما أيضاً ضد المعارضة الداخلية سواء من قبل المواطنين أو من قبل راصدي أوضاع حقوق الإنسان فيها”.
ويضيف:”باتت التطبيقات التي تستخدم تكنولوجيا تجسس ومراقبة شديدة التعقيد، وهي تكنولوجيا طورت أصلاً في إسرائيل، شائعة وبشكل متزايد في حياتنا الرقمية”
ويتابع: “بعضها يستخدم في مجالات حميدة نسبيا، مثل تطبيق ويز الذي يستخدم في رصد الازدحام المروري، والذي يسمح للسائقين بالوصول إلى وجهاتهم بشكل أسرع، ومثل غيت الذي يصل الزبائن بسيارات الأجرة القريبة منهم عبر هواتفهم”.
كما يتحدث كوك في مقاله عن العلاقة بين شركات إسرائيلية أنتجت تطبيقات تجسس استخدمها أشد منتهكي حقوق الإنسان في العالم مثل السعودية والبحرين والإمارات وكازخستان والمكسيك والمغرب”.
وتاليا نص المقال كاملا:
====
كيف تمتد ذراع تقنيات التجسس الإسرائيلية لتصل إلى أعماق حياتنا؟
باتت برامج الكومبيوتر التي استخدمت ضد الفلسطينيين ميداناً لإنتاج أسلحة سيبرانية جديدة يتم سريعاً دمجها في المنصات الرقمية العالمية
يتم حالياً، وبشكل سريع، تعديل الغرض من أسلحة العصر الرقمي التي طورتها إسرائيل لاضطهاد الفلسطينيين لتشمل دائرة أوسع من التطبيقات بحيث تمارس ضد الشعوب الغربية التي طالما اعتبرت حرياتها من الأمور البديهية.
تكرس وضع إسرائيل بوصفها “دولة بدء التشغيل” منذ عقود مضت، ولكن سمعتها في مجال الإبداع التقني عالي المستوى اعتمدت دوماً على جانب مظلم، وهو جانب بات من الصعب بشكل متزايد تجاهله.
قبل سنوات قليلة، حذر المحلل الإسرائيلي جيف هالبر من أن إسرائيل حققت دوراً محورياً على المستوى الكوني في إدخال التقنيات الرقمية الحديثة في قطاع الأمن الداخلي. والخطر في ذلك هو أننا سوف نتحول جميعاً بالتدريج إلى فلسطينيين.
وأشار إلى أن إسرائيل تعامل ملايين الفلسطينيين الذين يعيشون تحت حكمها العسكري الذي لا يخضع للرقابة والمحاسبة كما لو كانوا فئران اختبار يعيشون في مختبرات مفتوحة في الهواء الطلق. فقد كان الفلسطينيون موضع اختبار لتطوير ليس فقط أنظمة التسليح التقليدية وإنما أيضاً لتطوير أدوات جديدة للرقابة الجماعية والتحكم بالجماهير.
وكما لاحظ تقرير أخير في صحيفة هآرتس، فإن عملية المراقبة التي تمارسها إسرائيل ضد الفلسطينيين “من أضخم عمليات المراقبة في العالم، وهي تشتمل على رصد وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي وجميع البشر.”
تجارة الأخ الكبير
ولكن ما بدأ داخل الأراضي المحتلة لم يكن أبداً ليبقى مقتصراً على الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة. وذلك أن التجارة بهذه الأنواع الهجينة من التكنولوجيا الرقمية الهجومية يمكن بكل بساطة أن تدر كماً هائلاً من المال والنفوذ.
على الرغم من صغر حجمها إلا أن إسرائيل طالما كانت رائدة في العالم في تجارة السلاح التي تدر أرباحاً جمة، حيث تبيع أنظمة التسليح التي تصنعها للأنظمة السلطوية حول العالم وذلك بعد أن تكون قد جربتها في ساحات الوغى على الفلسطينيين.
ما لبثت هذه التجارة في المعدات العسكرية التقليدية أن اقتحمت عليها سوق برامج الكومبيوتر الحربية التي باتت أدوات تستخدم في شن الحروب السيبرانية.
يزداد الطلب على مثل هذه الأسلحة، أسلحة العصر الحديث، من قبل دول باتت تستخدمها ليس فقط ضد الأعداء الخارجيين، وإنما أيضاً ضد المعارضة الداخلية سواء من قبل المواطنين أو من قبل راصدي أوضاع حقوق الإنسان فيها.
حُق لإسرائيل أن تزعم بأنها الجهة الرائدة في العالم في مجال اضطهاد السكان الخاضعين لسلطانها والتحكم بهم. ولكنها مع ذلك حريصة على محو بصماتها عن كثير من هذه التكنولوجيا الحديثة، فيما بات يعرف بتكنولوجيا الأخ الأكبر، وذلك من خلال تسليمها المزيد من التطوير في هذه الأدوات السيبرانيةلخريجي وحداتها الاستخباراتية سيئة الصيت سواء في الأمن أو في الجيش.
إلا أن إسرائيل في كل الأحوال تشرعن ضمنياً مثل هذه النشاطات من خلال منح هذه الشركات رخص تصدير – ناهيك عن أن كبار المسؤولين الأمنيين في البلاد يشاركون عن قرب في هذه الأعمال.
توترات مع وادي السيليكون
بمجرد التقاعد من وظائفهم الأمنية أو العسكرية، بإمكان الإسرائيليين جني الأرباح الطائلة بالاستفادة من خبرات طويلة كسبوها من التجسس على الفلسطينيين، وذلك من خلال تأسيس شركات تقوم بتطوير برامج كومبيوتر مشابهة يتم استخدامها من بعد في تطبيقات أعم وأشمل.
باتت التطبيقات التي تستخدم تكنولوجيا تجسس ومراقبة شديدة التعقيد، وهي تكنولوجيا طورت أصلاً في إسرائيل، شائعة وبشكل متزايد في حياتنا الرقمية. بعضها يستخدم في مجالات حميدة نسبياً، مثل تطبيق ويز الذي يستخدم في رصد الازدحام المروري، والذي يسمح للسائقين بالوصول إلى وجهاتهم بشكل أسرع، ومثل غيت الذي يصل الزبائن بسيارات الأجرة القريبة منهم عبر هواتفهم.
إلا أن بعض التكنولوجيا السرية التي أنتجها مطورو البرامج الإسرائيليون مازالت أقرب إلى أشكالها العسكرية الأصلية.
مثل هذه البرامج الهجومية يتم بيعها لبلدان ترغب حكوماتها في التجسس على مواطنيها أو على دول مخاصمة أو منافسة لها كما يتم بيعها لمؤسسات خاصة تطمح في التغلب على منافسيها أو في تحقيق مكاسب تجارية أفضل وفي التلاعب بزبائنها.
وحالما يتم دمجها في منصات التواصل الاجتماعي حيث المليارات من المستخدمين، تمكن برامج التجسس هذه أجهزة الأمن التابعة للدولة من تحقيق اختراق على المستوى الكوني. وهذا ما يفسر ما ينشأ في بعض الأوقات من علاقات متوترة بين الشركات التقنية الإسرائيلية ووادي السيليكون (في الولايات المتحدة)، حيث يبذل هذا الأخير جهوداً كبيرة لمكافحة هذه الفيروسات – كما تبين مؤخراً من نموذجين متقابلين.
“علبة التجسس” في الهاتف النقال
وكمؤشر على هذه التوترات، رفعت واتساب، وهي منصة تواصل اجتماعي يملكها فيسبوك، قضية هي الأولى من نوعها لدى محكمة في كاليفورنيا الأسبوع الماضي ضد إن إس أو، أضخم شركة إسرائيلية لإنتاج أجهزة الرصد والتجسس.
يتهم واتساب شركة إن إس أو بشن هجمات سيبرانية. فخلال فترة لا تتجاوز أسبوعين انتهت في شهر مايو / أيار أجرت واتساب اختبارات خلالها، تبين أن إن إس أو كما قيل استهدفت أجهزة موبايل لما يزيد عن 1400 مستخدم في عشرين بلداً.
يجري استخدام برنامج التجسس الذي تصنعه إن إس أو، واسمه بيغاسوس، ضد نشطاء في مجال حقوق الإنسان وضد محامين ورجال دين وصحفيين وضد عاملين في مجال الإغاثة. وكشفت وكالة رويترز في الأسبوع الماضي عن أن شخصيات كبيرة في أقطار حليفة للولايات المتحدة تم استهدافها من قبل إن إس أو كذلك.
بعد أن يسيطر بيغاسوس على هاتف الشخص المستهدف دون علمه يقوم بنسخ المواد المحفوظة فيه ثم يشغل الميكروفون الداخلي فيه بهدف التجسس عليه. وصفت مجلة فوربس ذلك البرنامج بأنه “أشد علب التجسس اختراقاً لأجهزة الموبايل في العالم”.
رخصت إن إس أو برنامج التجسس هذا لعشرات الحكومات، بما في ذلك بعض أشد منتهكي حقوق الإنسان في العالم مثل المملكة العربية السعودية والبحرين والإمارات العربية المتحدة وكازاخستان والمكسيك والمغرب.
واشتكت منظمة العفو الدولية من أن العاملين فيها كانوا من بين من استهدفوا من خلال برنامج التجسس الذي تصنعه إن إس أو، وهي الآن تساند إجراء قانونياً يجري اتخاذه حالياً ضد الحكومة الإسرائيلية بسبب منحها شركة إن إس أو رخصة للتصدير.
ارتباطات بأجهزة الأمن الإسرائيلية
تأسست شركة إن إس أو في عام 2010 على يد أومري لافي وشاليف هوليو، وكلاهما يقال إنهما من خريجي الوحدة 8200 التابعة للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية.
كشف الوشاة في عام 2014 عن أن الوحدة المذكورة تتجسس بشكل منتظم على الفلسطينيين، حيث تخترق هواتفهم وأجهزة الكومبيوتر الخاصة بهم بحثاً عن معلومات تشير إلى انحرافات جنسية أو مشاكل صحية أو مصاعب مالية لديهم يمكن أن تستغل للضغط عليهم وحملهم على التعاون مع السلطات العسكرية الإسرائيلية.
كتب هؤلاء الجنود الوشاة يقولون إن الفلسطينيين كانوا مكشوفين تماماً وعرضة للتجسس والمراقبة من قبل المخابرات الإسرائيلية، وأن ذلك يستخدم للتنكيل السياسي ولإحداث الانقسامات داخل المجتمع الفلسطيني من خلال تجنيد العملاء وتحريض أجزاء من المجتمع الفلسطيني عليهم.
على الرغم من أن الحكومة الإسرائيلية تصدر وبشكل رسمي رخص تصدير لشركة إن إس أو إلا أن الوزير زئيف إلكين نفي “تورط الحكومة الإسرائيلية” في عمليات اختراق واتساب الأسبوع الماضي، وقال في حديث للإذاعة الإسرائيلية: “الكل يعي بأن ذلك لا يتعلق بالدولة في إسرائيل.”
الرصد بالكاميرات
في نفس الأسبوع الذي بدأت فيه مؤسسة واتساب إجراءاتها القانونية، كشف قناة إن بي سي التلفزيونية الأمريكية عن أن وادي السيليكون رغم ذلك حريص على التواصل مع الشركات التقنية الإسرائيلية المتورطة في انتهاكات مرتبطة بالاحتلال.
فلقد استثمرت شركة مايكروسوفت بكثافة في “أني-فيجين” لإحداث مزيد من التطوير في تكنولوجيا التعرف على ملامح الوجوه والتي تستخدم حالياً من قبل الجيش الإسرائيلي ضمن الإجراءات التي يتخذها لاضطهاد الفلسطينيين.
لم تعد الارتباطات بين “أني-فيجين” وأجهزة الأمن الإسرائيلية خافية على أحد. وذلك أن مجلسها الاستشاري يشتمل على تامير باردو، الرئيس السابق لوكالة المخابرات الإسرائيلية الموساد، بينما رئيس الشركة أمير كاين، كان يشغل في السابق منصب رئيس دائرة الأمن في وزارة الدفاع والتي تعرف باسم مالماب.
برنامج الكومبيوتر الرئيسي لشركة “أني-فيجين”، والمعروف باسم “الغد الأفضل”، بات يلقب بعبارة “غوغل الاحتلال” لأن الشركة تزعم أن بإمكانها التعرف على أي فلسطيني ومن ثم تعقبه من خلال البحث في أشرطة التسجيل المأخوذة من كاميرات المراقبة التابعة للجيش الإسرائيلي والتي تشكل معاً شبكة كثيفة وواسعة الانتشار.
قلق بالغ
بالرغم من الإشكالات الأخلاقية الواضحة، يبدو من استثمار مايكروسوفت أن الشركة ترغب في ضم برنامج الكومبيوتر المذكور إلى برامجها هي، وهذا في حد ذاته أطلق العنان لإحساس عميق بالقلق في أوساط جماعات حقوق الإنسان.
ولقد حذر شانكارنا رايان، الناطق باسم اتحاد الحريات المدنية في أمريكا، من أن العالم مقبل على مستقبل شبيه بالواقع الذي يعيشه الفلسطينيون تحت الحكم الإسرائيلي، وقال في تصريح لقناة إن بي سي: “إن الاستخدام المنتشر لبرامج التعرف على ملامح الوجه يقلب مبدأ الحرية رأساً على عقب، حيث يتحول المجتمع إلى كيان الكل فيه قيد الرصد والمراقبة بغض الطرف عما يفعلونه، وفي كل الأوقات. وذلك أن التعرف على ملامح الوجه ربما شكل الأداة الأمثل لبسط الحكومة سيطرتها التامة على الأماكن العامة.”
وطبقاً لما يقوله يائيلبيردا، الباحث في جامعة هارفارد، توجد لدى إسرائيل قائمة بما يقرب من مائتي ألف فلسطيني في الضفة الغربية تضعهم تحت المراقبة الدائمة وعلى مدار الساعة. وتعتبر التقنيات من مثل برنامج “أني-فيجين” ضرورية من أجل إبقاء تجمع هائل من البشر مثل هذا قيد الرصد الدائم.
وفي مقابلة مع قناة إن بي سي، قال موظف سابق في شركة “أني-فيجين” إن الفلسطينيين يعاملون كما لو كانوا ميداناً للاختبار. وقال: “لقد تم اختبار التكنولوجيا في الميدان في واحدة من أشد البيئات الأمنية إلحاحاً، وها نحن الآن نعدها للتصدير لبقية أنحاء العالم.”
التدخل في الانتخابات
يوجد لدى الحكومة الإسرائيلية ذاتها اهتمام متزايد في استخدام تقنياتل التجسس داخل الولايات المتحدة وداخل أوروبا، حيث بات احتلالها (للمناطق الفلسطينية) مصدراً للجدل ومركزاً للاهتمام ضمن الخطاب السياسي السائد.
في بريطانيا، يدل على التغير في المناخ السياسي انتخاب جريمي كوربين، المعروف بنشاطه المؤيد للفلسطينيين منذ عقود، ليصبح زعيماً لحزب العمال المعارض. وفي الولايات المتحدة الأمريكية، تمكنت مجموعة صغيرة من المشرعين الذين يصدحون بدعمهم للقضية الفلسطينية من الوصول إلى الكونغرس، ومنهم رشيدة طلابي، أول امرأة أمريكية من أصول فلسطينية تحتل هذا المنصب.
وبشكل عام، تخشى إسرائيل من تنامي حركة التضامن الدولية بي دي إس (المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات)، والتي تطالب بمقاطعة إسرائيل، في محاكاة لحركة مناهضة الفصل العنصري –الأبارتيد– في جنوب أفريقيا، إلى أن تتوقف عن قهر الفلسطينيين. ولقد شهدت كثير من الجامعات الأمريكية بين طلابها نمواً قوياً لحركة بي دي إس.
ونتيجة لذلك، يتم إشراك المؤسسات الإسرائيلية المتخصصة في التقنيات السيبرانية أكثر فأكثر في الجهود المبذولة للتأثير على خطاب وموقف الجمهور تجاه إسرائيل، ويبدو أن ذلك يشمل التدخل في الانتخابات التي تجري في البلدان الأخرى.
“موساد للتأجير” في القطاع الخاص
هناك نموذجان ذاع صيتهما لمثل هذه الشركات التي احتلت أخبارها العناوين الرئيسية في وسائل الإعلام. أولهما هو نموذج ساي-غروب، والتي كانت تسوق نفسها على أنها “موساد للتأجير للقطاع الخاص”، وتم إغلاقها في العام الماضي بعد أن بدأ مكتب التحقيقات الفيدرالي إف بي آي في التحقيق في تدخلها في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2016. وبحسب ما نشرته مجلة ذي نيويوركر، فإن “مشروع الفراشة” التابع لها كان يستهدف زعزعة الحركات المعادية لإسرائيل وتخريبها من الداخل.
والنموذج الثاني هو بلاك كيوب (المكعب الأسود)، والتي تم الكشف في العام الماضي عن أنها كانت تقوم بأعمال مراقبة معادية ضد عدد من كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية السابقة في عهد باراك أوباما. ويبدو أن هذه المؤسسة مقربة من أجهزة الأمن الإسرائيلية، وكانت لزمن ما تتخذ من إحدى القواعد العسكرية الإسرائيلية مقراً لها.
محظورة من قبل آبل
هناك مؤسسات إسرائيلية أخرى تسعى لخلق حالة من الضبابية لطمس التمييز بين الفضاء الخاص والفضاء العام.
من هذه المؤسسات شركة إسرائيلية متخصص في جمع البيانات اسمها أونافو، أسسها شخصان كانا يعملان في السابق في وحدة 8200، وفي عام 2013 اشترتها شركة فيسبوك. وفي العام الماضي حظرت شركة أبيل تطبيق في بي إن الخاص بها بعد أن تم الكشف عن أنها كانت عبر تطبيقها ذلك توفر إمكانية العبور دون قيود إلى بيانات المستخدمين.
تذكر صحيفة هآرتس في تقرير لها أن وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي جلعاد إردان، والذي يترأس حملة سرية لشيطنة نشطاء حركة بي دي إس في الخارج، كان يعقد اجتماعات منتظمة مع مؤسسة أخرى اسمه كونسرت في العالم الماضي.
ويذكر أن هذه المجموعة السرية، والمعفاة من الالتزام بقوانين إسرائيل الخاصة بحرية الحصول على المعلومات، تلقت ما يقرب من ستة وثلاثين مليون دولار كتمويل من الحكومة الإسرائيلية. ومما يذكر أيضاً في هذا الصدد أن مدراء ومساهمي هذه المؤسسة هم من الشخصيات المعروفة داخل النخبة الأمنية والاستخباراتية في إسرائيل.
وهناك مؤسسة إسرائيلية رائدة أخرى اسمها كانديرو، وهو في الأصل اسم سمكة صغيرة تعيش في الأمازون اشتهر عنها أنها تغزو جسم الإنسان سراً وتتحول داخله إلى كائن طفيلي. تبيع كانديرو منتجاتها من برامج الاختراق والتجسس إلى الحكومات الغربية بشكل رئيسي، ومع ذلك فمعظم عملياتها محاطة بالسرية التامة.
يكاد كل العاملين فيها ينحدرون من الوحدة 8200. ولا أدل على مدى الارتباط الوثيق القائم بين القطاع الحكومي الرسمي والمؤسسات الإسرائيلية التي تنتج تقنيات التجسس والمراقبة من أن الرئيس التنفيذي لمؤسسة كانديرو، إيتان آتشلو، كان في السابق يترأس مؤسسة غيت التي تنتج التطبيق المستخدم من قبل سيارات الأجرة.
مستقبل مرعب
تثري النخبة الأمنية في إسرائيل من هذا السوق الجديد لمنتجات الحرب السيبرانية، مستغلة – كما فعلت في تجارة الأسلحة التقليدية – شعباً فلسطينياً أسيراً لتجريب ما تنتجه من تقنيات عليه.
ليس مستغرباً إذن أن تسعى إسرائيل بالتدريج إلى الترويج داخل البلدان الغربية والتطبيع لتلك التكنولوجيات التجسسية والقمعية التي طالما عانى من ويلاتها الفلسطينيون.
تسمح برامج التعرف على ملامح الوجه بإجراء تصنيف عرقي وسياسي بالغ التعقيد، بينما تؤدي برامج التجسس والرقابة وجمع البيانات إلى طمس الحدود التقليدية التي كانت تميز بين ما هو خاص وما هو عام. ونتيجة لحملات البحث والنشر عن البيانات الخاصة بالأفراد عبر الإنترنيت تصبح ممارسة التخويف والتهديد والتقويض ضد المعارضين والنشطاء في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان أمراً يسيراً جداً.
فيما لو استمر هذا الأمر فإن المستقبل سيكون مرعباً حقاً، وستصبح مدن مثل نيويورك ولندن وبرلين وباريس مثلها مثل نابلس والخليل والقدس الشرقية وغزة، وسوف نعرف حينها جيداً ماذا يعني أن يعيش المرد في دولة تمارس الرقابة وتشن حرباً سيبرانية ضد من تحكمهم.