الصحافة _ كندا
في لحظة سياسية مثقلة بإكراهات الإصلاح وتحديات تنزيل أوراش الحماية الاجتماعية، اختار النائب البرلماني هشام المهاجري أن يتسلل من هامش المسؤولية إلى صلب الجدل، عبر تصريح وُصف بالمهين والمستفز في حق فئة ظلت، لسنوات، تُصنف ضمن خط الدفاع الأول عن أمن المغاربة الصحي، خاصة في المناطق المنسية.
أن يتحدث برلماني عن “فرملية كتدير الحنة” و”فرملي كيلعب الكارطة” بنبرة تهكمية، فذاك ليس فقط تجاوزًا للّياقة السياسية، بل إهانة علنية لمهنة تشتغل بصمت، وسط خصاص وإهمال وتجاهل مؤسساتي مزمن. وإذا كان الغرض من هذا “التهريج الخطابي” دغدغة مشاعر الحضور، فإن ما تحقق هو إثارة سخطٍ وطنيٍ واسع، وردّ نقابي محتدم، ومطلب شعبي بالاعتذار.
في المغرب العميق، حيث يغيب الطبيب وتتحول المراكز الصحية إلى نقاط إسعاف رمزية، كان الممرض، وما يزال، العمود الفقري لمنظومة متهالكة في أطرافها، بفضل تضحيات جنود صامتين؛ رجال ونساء من الصفوف الخلفية لا يملكون ترف الرد أو حق الظهور، لكنهم حاضرون حين يغيب الجميع.
الخطابات الملكية المتكررة كانت أوفى للأطر الصحية من ممثلي الأمة، وهي تُشيد بدورهم المحوري في إنجاح ورش الحماية الاجتماعية، وفي مواجهة الجائحة. فهل نحتاج اليوم إلى درس جديد في القيم الدستورية، لنُذكّر نواب الأمة أن السياسة لا تُمارس بإهانة الكفاءات، بل بالدفاع عنها وإسنادها؟
لقد أخطأ المهاجري الهدف، لكنه أصابنا في كرامة مهنية وطنية. والمطلوب اليوم ليس فقط اعتذارًا، بل وقفة مؤسساتية صارمة تُعيد التوازن لخطاب العمل السياسي، وتحمي مهنة يُفترض أن تُرفَع فوق الصراعات لا أن تُطحن داخلها.