بقلم: محمد بوبكري
راج مؤخرا في مختلف وسائل الإعلام الجزائرية خبر مفاده أن الجنرال “بن علي بن علي” قد اختفى عن الأنظار، وربما تم سجنه من قبل مخابرات “سعيد شنقريحة” الذي سبق أن هدده بشكل مباشر بأنه إذا تمسك بالبقاء عل رأس الجيش الجمهوري، ورفض التنحي، فإنه سيقضي ما تبقى من عمره في السجن. وقد تأكد مؤخرا أن “الجنرال بن علي بن علي” لم يتم توقيفه، ولا اعتقاله، بل إنه اختفى عن الأنظار، لأن أشخاصا من محيطه صرحوا أنه يعيش في حالة هستيرية، جراء خوفه من التوقيف، أو الاعتقال، أو الاغتيال، حيث يقول بعض المتتبعين للصراعات بين مختلف أجنحة جنرالات الجزائر أن الجنرالين “خالد نزار” و”توفيق محمد مدين” يدفعان “سعيد شنقريحة” إلى إقالته، لأنهما يعتبرانه من بقايا “الجنرال القايد صالح” الذي أطاح بهما وأصدر في حقهما أحكاما قاسية، واعتقل توفيق”، وهروب “نزار” إلى اسبانيا إلى أن قام “سعيد شنقريحة” بإبطال الدعاوى المرفوعة ضدهما. لذلك، فإن الأمر يتعلق بتصفية حسابات بين الجنرالات، ما جعل الجنرال “بن علي بن علي” يخاف من هذين الشخصين، حيث يشهد تاريخهما أنهما لا يترددان في اغتيال خصومهما. هكذا، فإن الجنرال “بن علي بين علي” مصاب بالهلع، ما جعله يتخذ الاحتياطات نفسها التي اتخذها شنقريحة، خوفا من الاغتيال، حيث قام “بن علي بن علي” بتغيير أعضاء الفرقة المكلفة بحراسته التي يبلغ تعداد أفرادها سبعة عشر عضوا، كما صار، هو الآخر، يغير الإقامة، التي يقضي بها ليله، حيث قد يقضي ليلة في إقامة معينة، ويبعث حراسه لقضائها بإقامة أخرى في ملكيته، وذلك بهدف صرف انتباه خصومه عن المكان الذي ينام فيه.
ويؤكد عارفون بالأمور أن هذا الرجل يمتلك إقامات ضخمة عديدة في كل من “حيدرة” و” عين النعجة” و”بوشاوي”… لذلك، صار بإمكانه أن يغير مكان مبيته باستمرار، كما أنه حول إحدى إقاماته إلى مصحة متخصصة مجهزة بأرقى المعدات الطبية، لأن شيخوخته والحالة الصحية لزوجته تقتضيان ذلك.
هكذا، فإن الصراعات بين الجنرالات فرضت عليهم الخوف من انقلاب بعضهم على البعض الآخر، حيث سبق أن قام “الجنرال بوعزة واسيني” بتغيير حرسه الشخصي بعد وفاة ” الجنرال القايد صالح”، بسبب تخوفه من أن يقوم خصوم هذا الأخير باغتياله انتقاما منه، لأنه كان جد مقرب من هذا الجنرال. وبعد ذلك، تحقق حدسه، وتم اعتقاله، وأصدروا عليه حكما يجرده من رتبته العسكرية، فتحول إلى مجرد جندي بسيط.
تبعا لذلك، فإن تاريخ الجنرالات هو تاريخ المؤامرات والاعتقالات والاغتيالات، نتيجة الصراع على السلطة ونهب أموال الشعب الجزائري وتهريبها إلى الخارج إيداعها في بنوك البلدان الغربية، أو استثمارها هناك…
ولتسليط المزيد من الضوء على صراع أجنحة الجنرالات وحقدهم على بعضهم، حتى صاروا ساديين يتمنون تعذيب بعضهم البعض ليتلذذوا باغتيال كل من يختلفون معهم، فقد روجت أخيرا مختلف وسائل الإعلام الجزائرية خبرا مفاده أن “الرئيس” الأسبق “اليمين زروال” قد اتصل بـ “أخيه تبون”، وهنأه بمناسبة نجاح تنظيم الانتخابات الأخيرة وشكره على ذلك، حيث اعتبر أن هذه الانتخابات ستقرب الشعب من السلطة. ويرى الملاحظون السياسيون الجزائريون أن كلام “زروال” هو مجرد كذب في كذب، لا يؤمن به هو ذاته، كما أن الشعب الجزائري يرى أن هذه الانتخابات كانت كارثية. ويرى خبراء جزائريون أنه يمكن إرجاع هذا الاتصال لسببين اثنين: أولهما، احتدام الصراع بين المخبرات القديمة بقيادة “الجنرال توفيق محمد مدين” والمخابرات الجديدة بقيادة العميد “عبد الغني راشدي”، في مواجهة “تبون” و”سعيد شنقريحة” والجنرال “محمد قايدي” الذين أصروا على تنظيم الانتخابات الأخيرة. ويرى متتبعون للشأن العسكري الجزائري أنه ستتم الإطاحة بـ “قائد القوات البرية الجزائرية”، الذي سيخلفه “الجنرال محمد قايدي” إن لم يخلف “الجنرال سعيد شنقريحة”، حيث يؤكد هؤلاء الخبراء أن هذا الجنرال مرشح من قبل قوى خارجية للعب دور مركزي في الجزائر…
ويبدو أن إشادة “اليمين زروال” بالانتخابات الأخيرة، ليست بالأمر الجديد على هذا الشخص، حيث إنه، وتحت ضغط الجنرالات ” العماري”، و”خالد نزار نزار” و”توفيق محمد مدين “، قد سبق له أن أشاد بالانتخابات المزورة التي مكنت “عبد العزيز بوتفليقة” من الصعود إلى ” الرئاسة”، ما يدل على أن “اليمين زروال” جبان يخاف من العسكر. لذلك، فقد أخرجوه ليتكلم حول الانتخابات، لأن الصراع بين مختلف الأجنحة قد اشتد، وأصبح أكثر حدة، واعتقد الذين دفعوه إلى الكلام أن كلامه سيؤثر على بعض ضباط الجيش، الذين ما يزالون يحترمونه.
ويرى خبراء في الشأن العسكري الجزائري أنه رغم الصراع بين جناحي المخابرات القديمة والجديدة، فإنهما اتفقا مرحليا على مواجهة “تبون” وشنقريحة” و”قايدي”، ما جعل ” زروال” يعتقد أن سيطرة المخابرات قد تؤدي به إلى الاعتقال والمحن، لأنه يعي أن “الجنرال توفيق” لن ينسى له أنه كان السبب في اعتقاله، وأنه لم يسبق له أن أخبر “الجنرال القايد صالح” في سنة 2019، بأنهم كانوا يجتمعون للتخطيط للتآمر عليه، حيث لما علم “القايد صالح” بذلك، اعتقل كل من سعيد بوتفليقة و الجنرالين “طرطاق” و”توفيق”. لذلك، فإن “اليمين زروال” يخاف كثيرا من “الجنرال توفيق”، لأنه تسبب له في الكثير من المآسي، حيث تعرض للضرب والتعذيب، كما أنهم كسروا كتفه. ورغم بلوغه 83 سنة من العمر، فإنه ما يزال قادرا على التخطيط والتآمر إلى جانب صديقه الحميم “الجنرال خالد نزار”. لهذا، فإن “زروال” يعتقد أن سقوط ” تبون” وعلى الأرجح سقوط “شنقريحة”, يجعله يعرف المصير نفسه، الذي عرفه كل من “بوعزة واسيني” و الجنرالات “عبد القادر لشخم” و”سليم قريد” ، و” محمد تبودلت”، و”علي عكروم”، و”رشيد شواكي”… ويرى بعض الخبراء أن الجزائر تحتل المرتبة الأولى من حيث اعتقال الجنرالات، إذ يقبع في سجونها أكبر عدد من الجنرالات المعتقلين عالميا. وهذا ما يكشف شدة الصراع على السلطة والمال بين الجنرالات، الذين تؤكد الوقائع والأحداث التاريخية أن العلاقة بينهم قائمة على الحقد والغدر، ولا شيء يجمع بينهم، سوى هوى السلطة والتسلط والمال، ما جعلهم لا يترددون في اغتيال بعضهم البعض، وانقلاب مختلف أجنحتهم على بعضها البعض…
ويبدو لي أن إبعاد “تبون” لن يغير من الواقع شيئا، لأن حل مشاكل الجزائر كامن في زوال نظام العسكر، ما يستوجب استمرار الحراك لممارسة الضغط على نظام العسكر حتى يرحل، وأن العسكر مستعدون للتضحية بـ “تبون”، أو أي عسكري آخر إذا كان ذلك يضمن لنظامهم البقاء، حيث لما اشتد الضغط على نظام “الجنرال القايد صالح”، فإنه قد قام بإقالة عبد العزيز بوتفليقة”، واعتقل كل أفراد محيطه من العسكريين والمدنيين. لقد كان بعض الناس يعتقدون أن “عبد العزيز بوتفليقة” استطاع أن يهمش العسكر ويتحكم فيهم، لكن تطور الأحداث أكد عكس ذلك..
لذلك، ينبغي العمل بصمود من أجل رحيل نظام الجنرالات… فعلى الشعب الجزائري أن يقوم ببناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة لا تسمح ببروز أشخاص فاسدين مثل ” عبد المالك سلال” و ” أحمد أويحيى” و”سعيد بوتفليقة” و”تبون” …