الصحافة _ الرباط
أثار ظهور نسخة متحورة من فيروس كورونا من السلالات الإنجليزية القلق بالمغرب، خاصة بعد تواتر تقارير تفيد أنها مُعدية وسريعة الانتشار أكثر من سابقاتها، فبعد أن عاد الأمل، عقب بدء حملة التلقيح الوطنية ضد فيروس كورونا، إلا أن الأنباء عن سلالة جديدة من الفيروس، يمكن أن تثبط معنويات الناس والسلطات، خاصة وأن العالم لم يتعاف بعد من آثار السلالة الأولى للفيروس.
وفي هذا الصدد، وبالتزامن مع إعلان وزارة الصحة عن كشف 21 متحورا جديدا من السلالات الإنجليزية بالمغرب، أكد الدكتور الطيب حمضي، الباحث في السياسات والنظم الصحية، أن انتشار هذه السلالة الجديدة بشكل أوسع أمر وارد، حسب درجة الامتثال للتدابير الوقائية والاحترازية، معتبرا أن “حملة تلقيح سريعة وناجحة في سياق الامتثال الصارم للإجراءات التي أقرتها السلطات المختصة يمكن أن تحبط هذا السيناريو”.
وشدد حمضي على أنه في الوقت الراهن تظل التدابير الاحترازية الفردية والجماعية المعمول بها بالمغرب للسيطرة على السلالة الكلاسيكية صالحة لمواجهة هذه السلالة الجديدة، مع ضرورة تعزيز التدابير الحاجزية على الحدود المغربية والتدابير الإقليمية فيما يتعلق بتقييد حركية التنقل بين مدن المملكة.
تأثير السلالة الجديدة
وبخصوص تأثير هذه السلالة الجديدة على تطور الوضع الوبائي في المغرب، أوضح حمضي، أنه في حال تزايد انتشار هذه الطفرة بشكل أوسع على الصعيد الوطني، فإنها ستحل محل الطفرة الكلاسيكية، على غرار العديد من البلدان المتضررة من هذه السلالة الجديدة، مردفا أنه “على الأرجح، سيصبح هذا المتغير هو السلالة المهيمنة على الكوكب وفقًا لدراسات قام بها عدد من الخبراء”.
الباحث في السياسات والنظم الصحية، ورغم تأكيده على أن السلالة الجديدة تتميز ببعض نفس خصائص السلالة القديمة سيما ما يتعلق بالأعراض وتدابير الكشف، إلا أنه حذر من خطورتها وانعكاساتها على المنظومات الصحية، بالنظر إلى سرعة انتشارها الكبيرة، وفق ما سجلت ذلك عدد من الدراسات المتخصصة، مشيرا إلى أن هذه السلالة الجديدة لا تزال حساسًة بالنسبة للقاحات المنتشرة بما في ذلك اللقاحان اللذان اعتمدهما المغرب.
مخاطر انتشار العدوى
وبشأن مؤشر انتقال العدوى بالنسبة للطفرة الجديدة، قال حمضي، إن تقديرات المعدل المتزايد للانتقال، تتراوح من 50 إلى 70في المائة، حيث سيكون معدل تكاثر السلالة الجديدة أعلى بمقدار 0.4 إلى 0.7 نقطة من السلالة الكلاسيكية، موضحا أن تفسير الانتشار السريع لعدوى الطفرة الجديدة، يرجع لعدة فرضيات، من ضمنها أن الحمل الفيروسي يكون أكبر مقارنة بالسلالة القديمة، وأن هذه السلالة الجديدة تدخل الخلايا بسهولة أكبر.
وفي هذا الإطار، أشار حمضي، إلى توصل دراسة أجراها باحثون في جامعة هارفارد، إلى أن السلالة البريطانية يمكن أن تسبب عدوى تستمر لفترة أطول، بما يعني أن متوسط مدة الإصابة 13.3 يومًا للسلالة البريطانية، مقارنة بـ 8. 2 يومًا للسلالة الكلاسيكية، فضلا عن بطء الاستشفاء من الفيروس، حيث وجدت هذه الدراسة نفسها أن متوسط الوقت الذي يستغرقه المريض في التخلص من الفيروس سيكون 8 أيام للبريطانيين، مقابل 6.2 يومًا للسلالة الكلاسيكية.
وإلى جانب فترة العزل الطويلة التي تتطلبها السلالة الجديدة، أفاد الباحث في النظم الصحية، أن البيانات الأولية التي قدمتها الحكومة البريطانية ودراسات أولية أخرى، أظهرت أن خطر الوفاة أعلى بنسبة تصل إلى 35 في المائة، خاصة لدى كبار السن والمعرضين للخطر، مسجلا أنه بسبب انتشارها المتسارع، ستؤدي هذه السلالة الأكثر عدوى إلى زيادة حالات الإصابة والوفيات أكثر مما هو عليه الأمر بالنسبة السلالة التقليدية.
تأثر الأطفال والفئات الهشة
وحول تأثير هذه السلالة الجديدة على الأطفال والشباب، شدد الدكتور حمضي، على أنه “لا يوجد دليل علمي حتى الآن، يؤكد أن السلالة البريطانية الجديدة، تؤثر بشكل مختلف وخطير على الأطفال أو الشباب، أو أنها أكثر ضراوة بشكل خاص في هذه الفئات العمرية.
وفي المقابل، اعتبر الباحث في السياسات والنظم الصحية، أنه نظرًا لخطر انهيار الأنظمة الصحية بسبب سرعة انتشار الطفرة الجديدة، فقد يكون من الضروري اتخاذ تدابير تقييدية أكثر شدة عندما يمتد انتشار هذه السلالة الجديدة على نطاق أوسع في بلد ما، بما في ذلك إغلاق المدارس لفترات قصيرة للحد من الانتشار.
وعلاقة بتأثير السلالة الجديدة على الأشخاص المصابين حاليا بالفيروس، قال حمضي “لا يبدو أن هذا البديل يحبط المناعة المكتسبة من المرض من قبل الأشخاص الذين أصيبوا بالفعل بفيروس كورونا مع السلالة الكلاسيكية، التي تظل فعالة ضمن الحدود التي تمت دراستها من أجل القضاء على السلالة الكلاسيكية”.
فعالية اللقاحات المطورة
وبشأن فعالية اللقاحات المضادة لكرورنا، والتي تم البدء في تطعيم المواطنين المغاربة بها، أكد حمضي أن اللقاحين المستخدمان في المغرب، وهما لقاح أسترازينيكا – أكسفورد ولقاح سينوفارم، يحافظان على فعالية وقائية جيدة ضد هذه السلالة الجديدة، على عكس النوعان الآخران من جنوب إفريقيا والبرازيل، مشيرا في السياق ذاته، إلى أنه تم أيضا نشر اللقاحات الفعالة الأخرى حتى الآن حول العالم.
وبخصوص تدابير الوقاية والحد من انتشار السلالة الجديدة، دعا الباحث في السياسات والنظم الصحية إلى تعزيز المكافحة الفيروسية، خاصة ما يتعلق بتشديد مراقبة المسافرين الوافدين من الدول التي تشهد انتشارا لهذه السلالة الجديدة، إلى جانب الامتثال المستمر للتدابير الاحترازية الفردية والجماعية للحد من انتشار الحالات الموجودة بالفعل والتي لم يتم اكتشافها.
واعتبر حمضي، أن التطعيم في أسرع وقت ممكن، يساهم بشكل فعال في إبطاء الانتشار وتقليل خطر حدوث طفرة جديدة، فكلما قلّ انتشار الفيروس، قلّ تكاثره وتراجع احتمال تحوّره، مشددا على ضرورة الحرص الصارم على الالتزام بالتدابير الوقائية، من خلال ارتداء الكمامة الواقية بطريقة سليمة، واحترام التباعد الجسدي وكذا غسل اليدين بانتظام بالماء والصابون أو بمطهر كحولي، مطالبة عموم وتجنب التجمعات غير الضرورية.