بقلم: محمد بوبكري
تدعي زعامة الاتحاد الاشتراكي الحالية أن هذا الحزب هو حزب المؤسسات، لكننا عندما ننظر إلى ما يجري داخله، نجد أنه بعيد كل البعد عن المأسسة، حيث تدعي هذه الزعامة أنها تعمل بالنظام البرلماني، المبني على الديموقراطية التشاركية، لكن الواقع والممارسة يؤكدان عكس ذلك، حيث يحرص زعيم الحزب على تشكيل المجلس الوطني بالتعيين على المقاس، بما لا يخلق معارضة لاستبعاده. وإذا كان النظام البرلماني يقتضي فصل السلط، و تكاملها، فإن الزعيم يرفض ذلك داخل الاتحاد، لأنه يريد التحكم في كل شيء. فنراه يرأس أشغال المجلس الوطني، حيث يعتلي منصة التسيير، الأمر الذي يرفضه الاتحاديون، لأن النظام البرلماني يستوجب ألا يترأس رئيس الحكومة أشغال البرلمان. أضف إلى ذلك، أن الزعيم يقرصن كل المراسلات الموجهة إلى المجلس الوطني وإلى لجانه الوظيفية، حيث صار يقرر بشكل انفرادي في العلاقات الخارجية للحزب، الشيء الذي جعل الاتحاد بدون وزن دولي، و أفقده الاحترام من قبل الأحزاب الصديقة و الحليفة و المنظمات الدولية و الإقليمية الذي كان يحظى به سابقا في الكثير من الدول، ولم يعد له أي تأثير في محيطه الإقليمي و الدولي. و لم تتوقف ممارسة الزعيم عند هذا الحد، بل إنه، ورغبة في التحكم في المجلس الوطني، يقوم بتوزيع مناصريه داخل قاعة اجتماعاته حتى يتمكن من إسكات الأصوات المعارضة عبر ممارسة العنف على خصومه، للحيلولة دون تعبيرهم عن آرائهم، و رغم أن المقرر التنظيمي يتحدث عن اعتماد الاتحاد للنظام البرلماني في تدبيره، فإن الزعامة قد أفرغت هذا المفهوم من مضمونه على مستوى الممارسة، و صارت متحكمة في كل شيء، ولا تقبل بالمشاركة الديمقراطية للاتحاديين في التداول أو في اتخاذ القرار، وبذلك، يتم مصادرة الديمقراطية الداخلية بشكلٍ تراتبي على باقي البنيات التنظيمية الحزبية الإقليمية و الجهوية، و هذا ما فرض على الاتحاديين نظاما أوتوقراطي.
فضلا عن ذلك، لقد صار الزعيم يتحكم في كل الاجهزة الجهوية والمحلية، حيث لا يحصل على عضويتها إلا من يرضى عنهم ويقبلون بأوامره التي لا تخدم إلا ذاته. وللتدليل على ذلك، فقد بات الزعيم يقرر في استبدال الاجهزة الإقليمية خارج الضوابط التنظيمية للحزب، و يقوم باستبدال الاجهزة المنتخبة ديموقراطيا، ويعين محلها “منسقين إقليميين” من أشخاص موالين له دون اللجوء إلى انتخابهم، علما أنه لا وجود لهذه الصفة في الانظمة الحزبية للاتحاد.
ولم يتوقف تحكم الزعيم عند هذا الحد، بل امتد إلى الشبيبة الاتحادية، التي صار “مكتبها الوطني” لا يجتمع إلا ناذرا و بأمر منه، وكلما اجتمع يكون ذلك تحت رئاسته. والأمر نفسه ينطبق على باقي التنظيمات الحزبية، التي فرض عليها الزعيم ترخيصا منه قبل عقد اجتماعاتها، لكي يتمكن من توجيه مخرجات هذه الاجتماعات. لقد أصبح الزعيم فاقدا للثقة في جميع الاتحاديين، حيث إنه صار يعارض كل مبادراتهم، ما يفيد أنه يناهض طموحاتهم و تطلعاتهم الهادفة إلى تفعيل الدور الريادي للاتحاد الذي كان يلعبه في المجتمع و في الشان السياسي بشكل عام.
فوق ذلك، يشير القانون الأساسي إلى منصب “نائب الكاتب الأول”، لكن الزعيم حذف المنصب من القانون الداخلي للحزب ليمركز كافة السلط الحزبية بين يديه، بطرق منافية لمقاصد التدبير الديموقراطي للحزب، كما ينص على ذلك قانون الأحزاب السياسية. لقد تم إحداث المنصب المذكور حتى لا يحدث فراغ على رأس الحزب نتيجة غياب الزعيم أو مرضه، والحال أنني أتمنى أن يحفظ الله البشرية جمعاء في أبدانها وذويها، كما أنني أطلب العلي القدير أن يحفظ كل خصومي وذويهم من أي مكروه. لكن لماذا يخاف الزعيم من تعيين نائب الكاتب الأول، رغم مرور عشر سنوات بدون انتخابه؟ فهل يتصف الزعيم بالكمال ليستغني عن نائبه؟ وهل يستطيع القيام بكل الأدوار التدبيرية و التنظيمية و السياسية بدون مساعدة من قبل نائبه ؟
يتبين أن الزعيم لا يريد ان يكون هناك من يخلفه، حيث جرت العادة أنه من المحتمل جدا أن يخلف النائب الزعيم، لكنه لا يستطيع التقبل و لا التقيد بهذا الإجراء التدبيري المحض الذي نجده في كل المؤسسات التي يتم تسييرها بشكل ديموقراطي، فوجود نائب له يعني، بالنسبة إليه، أنه راحل، الأمر الذي يرفضه، و هذا ما يفسر تمسكه بالعهدة الثالثة، والرابع… ليبقى زعيما أبديا للاتحاد.
علاوة على ذلك، فما دامت “لجنة التحكيم والأخلاقيات” مشكلة من مناضلين اتحاديين أصيلين، ويرأسها مناضل ديمقراطي نزيه هو الأخ الأستاذ عبد الواحد الراضي، فإن الزعيم يعلم مسبقا أنها لن تقبل بممارساته اللاديمقراطية، ما جعله يلجأ دوما إلى قرصنة كل الشكاوى التنظيمية، والسياسية الموجهة إليها، فتمكن من عرقلة عملها، وبالتالي شلها وتعطيلها.
خلاصة القول، يفسر رفض الزعيم للمأسسة قيامه بالتحايل على قانون الأحزاب من أجل الاستمرار على رأس الاتحاد، و لا يمكن تفسير هذا الأمر إلا بتفشي ثقافة الاستبداد، المبنية على مركزية القرار، كما هو الشأن في الأنظمة الشمولية التي لا تعمل بالديموقراطية كنهج قويم في التداول على السلطة.