الصحافة _ هدى اليازيدي من مصر
بعد مرور نسائم الربيع العربي على سماء المغرب حيث خرج شباب 20 فبراير حاملين صور شخصيات لفظها الشارع من خلال شعاراته مطالبين بالكرامة والحرية و العدالة الاجتماعية. وبعد ما فشل الإصلاح من داخل المنظومة في إطار التناوب التوافقي الذي تم خلاله الإجهاز على البقية الباقية من المؤسسات العمومية وشبه العمومية في محاولة يائسة لإنقاذ البلاد من السكتة القلبية. و بعد محاولة الإنصاف و المصالحة المنقوصة التي جاءت لغسل ذنوب سنوات الرصاص و القطيعة مع كل أشكال التعذيب والاخفاء القسري و غيرها من الممارسات الحاطة بكرامة و مواطنة الإنسان المغربي.
بعد كل هذا وغيره جاء دستور 2011 الذي فاجأ الفاعل الحزبي،هذا الدستور الذي رغم انه وسع قليلا من مساحة اختصاصات رئيس الحكومة، إلا أنه ظل محافظا كسابقيه من الدساتير على تمركز أغلب السلطات في يد المؤسسة الملكية و مجلس الوزراء. فأعقبت الدستور انتخابات أسفرت عن فوز حزب بن كيران برئاسة الحكومة، و بعد كسب الحكومة ثقة البرلمان إنفجرت مواهب بن كيران الخطابية، ساعده في ذلك المناخ العام للشارع المغربي الذي أعتقد أن العملية السياسية، و شعار الانتقال الديموقراطي بدأ تنزيله على الواقع.
لكن سرعان ما تم الإجهاز تدريجيا على هذا القوس بخروج الاستقلال من الإتلاف الحكومي لتبدأ الظواهر الصوتية في التراشق و الإتهام المتبادل. و لا يخفى على الجميع زواج المتعة الذي وقعه كل من لشكر و شباط و إلياس لتبدأ مرحلة ” العصى فالرويضة” والمعارك الجانبية التي لا تسمن ولا تغني الشعب المغربي من جوع.
كان بن كيران في عين الكثير فران وقاد بحومة و اكتسب الرجل شعبية واسعة، ساعده في ذلك خروجه المكثف في مختلف المنابر الإعلامية بطريقته الشعبوية التبسيطية، مرة كأمين عام و أخرى كرئيس حكومة, لكن سرعان ما استفاق المغاربة على كوابيس قرارات بن كيران، حيث اكتشف الشعب المغربي ارتجالية تدبير صندوق المقاصة مع حدث المقاطعة. استفاق المغاربة على كابوس عدم تفعيل مجلس المنافسة منذ تأسيسه في ما يتعلق بمراقبة المؤسسات الخاصة و منها شركات المحروقات التي تبين من خلال تقرير لجنة المالية حول المحروقات أن هذه الشركات ربحت بشكل جشع وغير أخلاقي ما يناهز 17 مليار درهم في الوقت الذي كانت الحكومة تدعمها ب 3 ملاير درهم من أجل رفع قدرتها التخزينية.
ورغم أن مكتب هذا المجلس أصبح بعد قانونه التنظيمي 2013 يتوفر على آليات مراقبة وردعية قوية للشركات الخاصة إلا أنه لم يرى النور إلا سنة 2019 . ورغم ذلك سبق له أن تدخل لفحص شركة سعودية تنتج زيت عافية ورتب عليها عقوبات جعلتها تخرج من منافسة لوسيور في السوق المغربية.
لكن عندما تغول اللوبي النفطي تحجج نفس المجلس و بقانون متقدم أكثر بعدم استكمال تركيبة المجلس لاتخاذ قرارات ردعية في حق شركات المحروقات بعد احتجاجات واسعة بسبب إرتفاع سعر اللتر بالمغرب مقارنة بسعره العالمي, كما صدم الرأي العام المغربي عندما وصل إلى مسامعه أن ابن كيران قام بإصلاح صندوق التقاعد على حساب الموظفين والمساهمين و تجاهل من تسبب في إفلاس هذا الصندوق و تركهم دون مساءلة أو محاسبة مع أنه كان يملك تحريك الدعوى القضائية ضد هؤلاء من خلال وزير العدل الذي كان وصيا عليها قبل استقلالها مؤخرا. وقد كلف هذا الإصلاح الذي يعتبر جزئيا على أية حال كلف مساهمة أكبر من أعمار الموظفين، واقتطاعا أكثر من قوتهم الشهري. وتبين بالملموس في هذين الورشين أن الرابح الأكبر من هذه العمليات التي سميت إصلاحا هو الدولة ب 56 مليار درهم سنويا نتيجة المقاصة. و اللوبي النفطي الذي لا زال إلى اليوم يربح “على ظهر المغاربة” أرباحا غير أخلاقية رغم خرجات وزير الحكامة التهديدية بتسقيف الأسعار التي بقيت دون تطبيق إلى يوم الناس هذا.
غني عن البيان البرامج الاجتماعية التي يدعي بن كيران فضله فيها على المغاربة، من قبيل برنامج تيسير ورميد و مساعدة النساء الأرامل. لكن حتى هذه البرامج لم يسمح رئيس الدولة له ولا لغيره الادعاء ببراءة اخترعها. حيث أصر رئيس الدولة على أن هذه المشاريع وغيرها من المشاريع الاستراتيجية الوطنية هي من اختراع المؤسسة الملكية وهي الساهر والضامن لها, لكن و سواء كانت هذه المشاريع ملكية صرفة، أو من توقيع حكومة عبد الإله ابن كيران. فإن مشروع الرميد مثلا، لازال إلى اليوم يعرف مجموعة من التعثرات والاختلالات. وإذا كانت الحكومة تتبجح بارتفاع نسبة المستفيدين من هذه البطاقة فذلك دليل واضح باعترافهم على ارتفاع نسبة الطبقات المسحوقة التي تسلم لها هذه البطائق كشواهد ” الضعف”. و تزداد الكارثة تفاقما عندما نعلم أن هذه البطائق لا يستفيد منها أصحابها دائما، إما لأنهم يموتون قبل وصول مواعيدهم أو تزداد حالاتهم المرضية تفاقما. والحقيقة الوحيدة التي لا يتناطح عليها كبشان هي اتساع المشهود لهم من طرف الدولة بالفاقة والحاجة، دون استفادة معظمهم من حقهم الدستوري في الصحة، كلما احتاجوا إشهار بطاقة الضعف في وجه أي طبيب. وازداد الوضع تأزما بعد تنصل المصحات الخاصة من التزاماتها مع الدولة بسبب عدم استجابتها لمطالب لوبي الطب الخاص.
و لعل من أهم البدع التي ابتدعها ابن كيران إطلاقه لمبادرة التوظيف بالتعاقد و ما أحدثته من نقاش اجتماعي و قانوني كان من نتائجه قطع أرزاق بعض المواطنين. إضافة إلى ما خلفه هذا التوظيف من تمايز و المواطنة بين موظفي الحكومة و المتعاقدين مع مصالحها الترابية, ولازلنا إلى اليوم نعيش مخلفات مثل هذه القوانين التي تكرس انشطارية المجتمع و ما يشكله ذلك من خطورة على التماسك و المساواة في إطار المواطنة الحقة, و بعد إنهاء ابن كيران لولايته الحكومية الاولى بكل ما لها وما عليها، كان تعيينه بعد انتخابات 2016 من جديد رئيسا للحكومة. ولغاية في نفس يعقوب سارع أخنوش إلى تجميع مجموعة من الأحزاب السياسية وراءه لمساومة بن كيران و التفاوض معه من موقع قوة على توزيع الكعكة الانتخابية.
و بعد مغالبة طالت لشهور تم التخلي عن رئيس الحكومة المنتخب و تعويضه برئيس مجلس حزبه الوطني سعد الدين العثماني الذي و بقدرة قادر استطاع تكوين الحكومة في ظرف أسبوع من تعيينه, كان القرار العزل وقع كبير على إبن كيران، لكن تكوين الحكومة و من ضمنها الاتحاد الاشتراكي أدخل الأمين العام و الحزب في دوامة من الصمت الدي يسبق عاصفة التدوينات والتصريحات التي كادت أن تعصف بمستقبل الحزب. حتى عندما إلتقى الأخوة الأعداء في المؤتمر الوطني الاستثنائي لانتخاب أمين عام جديد لحزبهم. حيث كانت السن تضحك للسن والقلب فيه لخديعة.
بعد انتخاب أمين عام جديد للحزب توارى رئيس الحكومة السابق عن الأنذار. واقتصر على الجنائز والأسواق و صلاة الجمعة للتصريح لوسائل الإعلام أحيانا. فكان يرمي بتصريحاته في الماء السياسي الراكد فيحدث أمواجا من ردود الأفعال, وبعدما أعرضت عنه وسائل الإعلام إلا مانذر. و بعد تنكر الحزب له كذلك حيث لم يعد يظهر في مختلف أنشطة الحزب و فعالياته المركزية و الإقليمية و حثى الشبيبية. فضل رئيس الحكومة السابق الخروج على المغاربة من خلال صفحته الفيسبوكية في مجموعة من المحطات يدلي فيها بآرائه و يدافع من خلالها على منجزاته و يهاجم احيانا من يسيئ إليه أو إلى قراراته.
بل ليوجه أمينه العام الجديد في سياساته.
وفي الاخير نحمد الله على الفيسبوك الذي أصبح ملجأ من لا ملجأ إلا إليه.