بنسعيد يقود تحولاً تشريعياً لتنظيم مواقع التواصل الاجتماعي

15 مايو 2025
بنسعيد يقود تحولاً تشريعياً لتنظيم مواقع التواصل الاجتماعي

الصحافة _ كندا

في خطوة تُعد سابقة تشريعية، أعلن وزير الشباب والثقافة والتواصل، محمد المهدي بنسعيد، عن مبادرة وطنية طموحة لتنظيم الفضاء الرقمي ووضع حد لما أسماه بـ”الانفلات الرقمي” الذي بات يشكل تهديداً صريحاً للتماسك المجتمعي، ولا سيما لدى الفئات الناشئة. هذه المبادرة تضع المغرب في قلب نقاش عالمي متقدم حول كيفية التوفيق بين حرية التعبير من جهة، وضمان الأمن الرقمي، وحماية الأفراد، والعدالة الجبائية من جهة أخرى.

ما يميز هذا المشروع ليس فقط طموحه التشريعي، بل وجرأته السياسية. فلطالما ظل الفضاء الرقمي، بكل ما يحمله من تعقيدات تقنية وامتدادات سيادية عابرة للحدود، منطقة رمادية في السياسات العمومية. والآن، يأتي هذا المقترح ليملأ فراغاً قانونياً طال انتظاره، ويعيد للدولة موقعها الطبيعي كفاعل ضامن للتوازن بين الحريات والحقوق، ومصالح المجتمع بمختلف شرائحه، وخاصة الأطفال والشباب.

الاستلهام من التجربة الأوروبية، ولا سيما قانون الخدمات الرقمية (DSA)، يعكس نضجاً تشريعياً ورغبة في بناء نموذج مغربي يحترم المعايير الدولية، دون التفريط في خصوصية النسيج الاجتماعي والثقافي الوطني. فمطلب تعيين ممثل قانوني للمنصات الكبرى داخل المغرب ليس تفصيلاً إدارياً، بل تجسيد لمبدأ السيادة القانونية، الذي يضمن للدولة أدوات التدخل والحماية في حال المساس بالأمن المجتمعي.

ومن الملاحظ أن مشروع القانون لا يركن إلى مقاربة زجرية أو تقنينية صِرفة، بل يدمج أبعاداً وقائية وتربوية واقتصادية في آنٍ واحد، من خلال تصنيف المحتوى، وتمكين الآباء من أدوات المراقبة، وحماية الأطفال من الإعلانات المضللة، إلى جانب ضبط سوق الإعلانات الرقمية وإخضاعه لواجب التصريح الضريبي. وهو ما يضع حداً للازدواجية التي كانت تمنح الامتياز للمؤسسات الرقمية الكبرى دون التزامات مماثلة لتلك المفروضة على الفاعلين المحليين.

في الجوهر، يمثل هذا التشريع المرتقب تحوّلاً مفاهيمياً في نظرة الدولة إلى الفضاء الرقمي: من مجرد بيئة للتواصل الاجتماعي والاستهلاك الترفيهي، إلى حقل استراتيجي يمسّ الأمن القومي، ويستوجب حكامة رقمية متقدمة. إنها لحظة تأسيسية لاسترجاع المبادرة في عالم تُعيد فيه الخوارزميات رسم المعايير، وتعيد فيه المنصات تشكيل الوعي الجماعي، من دون أن تمر عبر الفلاتر التقليدية للمؤسسات.

بنسعيد لم يقدّم فقط مشروع قانون، بل أطلق نقاشاً سيادياً عميقاً حول مستقبل الفضاء الرقمي في المغرب، وحول مسؤولية الدولة في حماية المجتمع من تغوّل التكنولوجيا حين تنفلت من الضوابط الأخلاقية والمؤسساتية. وإذا ما كتب لهذا المشروع أن يُفعّل بشكل محكم ومتوازن، فسيشكل بدون شك مرجعاً إقليمياً في حوكمة الفضاء الرقمي، ونقطة تحول حقيقية في علاقة الدولة المغربية بمحيطها الرقمي.

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص المحتوى والإعلانات، وذلك لتوفير ميزات الشبكات الاجتماعية وتحليل الزيارات الواردة إلينا. إضافةً إلى ذلك، فنحن نشارك المعلومات حول استخدامك لموقعنا مع شركائنا من الشبكات الاجتماعية وشركاء الإعلانات وتحليل البيانات الذين يمكنهم إضافة هذه المعلومات إلى معلومات أخرى تقدمها لهم أو معلومات أخرى يحصلون عليها من استخدامك لخدماتهم.

اطّلع على التفاصيل اقرأ أكثر

موافق