الصحافة _ وكالات
يتجه المغرب إلى تجويد المنظومة القانونية لحماية حقوق المؤلفين والمبدعين وسد ثغراتها في مجال الإبداع الموسيقي وباقي مجالات الإبداع الفنية، التي تروج بواسطة التقنيات والتكنولوجيا الجديدة وشبكة الإنترنت.
فبعد أيام قليلة من الجدل المثار حول جملة موسيقية مستوحاة من التراث الشعبي في أغنية “سلام” للمغني المغربي سعد لمجرد، التي أطلقت بموقع يوتيوب، وما صاحبها من ضجة إعلامية وتساؤلات حول الحدود الفاصلة بين الاقتباس والسرقة الفنية؛ صادقت الحكومة المغربية الخميس 14 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري على قانون جديد للحماية ينتظر أن يحدث قفزة نوعية حسب مراقبين.
ويبرز رئيس الائتلاف المغربي للملكية الفكرية عبد الحكيم قرمان للجزيرة نت في هذا السياق أن “أهم ما في هذا القانون هو تحويل المكتب المغربي لحقوق المؤلفين من وضعيته القانونية الملتبسة إلى مؤسسة للتدبير الجماعي لحقوق الملكية الفنية والأدبية والحقوق المجاورة، تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي، مع ما يصاحب ذلك من تحديث للهياكل وتأهيل للموارد وتحيين لآليات الاشتغال، وفقا للتطورات الرقمية السريعة”.
ويضيف أن ذلك سيمكن من تحديث الحماية وحوكمة التدبير للحقوق المادية للمبدعين والمؤلفين بالمغرب، مع تكريس عدالة قطاعية ومجالية في تحصيل وتوزيع الحقوق على مستحقيها، وبالتالي معالجة أفضل للملفات المعقدة، ومنها قضايا القرصنة والتزييف والسرقة الفنية.
بصمة المؤلف
ما زاد الجدل حول أغنية “سلام” أن الجزء الموسيقي الموسوم “بالسرقة الفنية” هو مدخل من 25 ثانية لأغنية يستعمل فيها التراث الشعبي المعروف “بأحواش”، مع ظهور فنانين وفنانات منتميات إلى هذا التراث بلباسهم التقليدي.
ويشير الباحث في مجال الحماية الفكرية عبد الحكيم قرمان إلى أن التراث الشعبي ملكية مشتركة للمغاربة، وكل من يريد الاستلهام منه أو استخدامه في عمل فني بغرض تحصيل عائد مادي يراجع المكتب المغربي لحقوق المؤلفين لنيل رخصة لهذا الاستعمال،
ويضيف أن التوليف الجديد لعناصر التراث في أي عمل يصبح محميا بالقانون لمؤلفه، لذلك فإن العمل الإبداعي بالتوليف الجديد انطلاقا من لحن أصلي وتبعا لمسطرة الترخيص أو الإسناد، يصبح “مصنفا” جديدا خاضعا لحقوق ملكيته الفكرية لكونه يحمل “بصمة” مؤلفه.
في حين يؤكد رئيس الاتحاد الوطني للفنون الشعبية والتراثية علي الشيخي في تصريح للجزيرة نت “أنه لا مانع من أن يتم تطوير هذا التراث الفني وفق قواعد فنية مضبوطة؛ حماية لحقوق مبدعي الفنون الموسيقية الشعبية، سواء باستعمال التقنيات الرقمية الجديدة أو من دونها، لكن مع المحافظة على روحه و”بصمته” كما هو متعارف على ذلك دوليا”.
في حالات كثيرة، وعندما يتعلق الأمر بنزاع بين فنان معروف وفنان أقل شهرة، يكتفي الأخير “بالاعتراف المعنوي” لجهوده الإبداعية، ويتغاضى عن حقوقه الاقتصادية، كما يبرز المنتج الموسيقي سليمان الصفوي.
ويضيف في تصريح للجزيرة نت بخصوص عدد من المقاطع الموسيقية التي يتم تحويلها إلى مشاهد، أن عددا من المبدعين المغاربة في المجال الموسيقي يعتقدون أن مجرد الحصول على ترخيص من المركز السينمائي المغربي لتصوير المشاهد هو كاف لحماية حقوقهم الفكرية.
في حين يهيب الخبير قرمان بكل المبدعين أن يطلعوا على القوانين الناظمة لحماية حقوقهم المادية والمعنوية، إذ إن عليهم التصريح بأعمالهم لدى المكتب المغربي لحقوق المؤلفين، لكي تصبح حقوقهم قائمة.
في حين يصف علي الشيخي أن التراث الشعبي -بالتنوع والغنى- مطالبا بحمايته وفق قوانين مضبوطة، والتشديد في ذلك أكثر من أي مصنف آخر.
سرقة أم اقتباس؟
يحدث أن تتشابه بعض الجمل الموسيقية في ألحان متعددة يبدعها فنانون، سواء في بلد واحد أو بلدان مختلفة، ويتساءل المتتبعون ورواد مواقع التواصل الاجتماعي: هل يدخل ذلك في باب السرقة الفنية؟
ويقول الخبير قرمان إن الموسيقى بما هي إبداع بشري كما في جميع المجالات الفنية والأدبية، نجد فيها تشابها في الإلهام والتناص والاقتباس.
ويفرق بين مجموعة من المفاهيم، أبرزها “القرصنة” المتمثلة في الاستنساخ الآلي للمصنفات بغرض المتاجرة، دون إذن مؤلفيها، وتعني كذلك الاستيلاء على المضمون الموسيقي بنفي انتسابه إلى صاحبه الأصلي، ومنها القرصنة الرقمية التي تعتبر “علما ضارا” يمارس تقنيون متفوقون في المجال الرقمي وقادرون على تشفير المحتوى.
ويوضح أن حقوق الأغنية الفكرية يتقاسمها كل من “كاتب الكلمات” و”الملحن”، اللذين لهما الحق في أن يختارا ما يشاءان من مغنيين أو مطربين، الذين يدخلون في خانة “فنان الأداء”، وفق اتفاقيات مكتوبة وحقوق مضمونة لكل الأطراف.
كل فنان مبدع يحافظ على أبوته الأدبية للأغنية أبد الدهر، لكن الحقوق الاقتصادية تتساقط بعد مرور الزمن، التي يصل على المستوى الدولي إلى خمسين سنة كحد أدنى، حسب المنظمة العالمية للملكية الفكرية.
كما يواجه المبدعون المغاربة البطء في تلقي مستحقاتهم المالية من قبل المكتب المغربي لحقوق المؤلفين، والشعور بعدم الرضا حول المبلغ المستحق بعد تقسيمه على الأطراف المساهمة في إنتاج الأغنية، وهو ما يدفع كثيرين منهم إلى عدم الدخول في متاهات التصريح والانخراط في المكتب، كما يؤكد المنتج الموسيقي سليمان الصفوي للجزيرة نت.
ويشرح الخبير قرمان أن توزيع الحقوق المادية لا يخضع لمعايير علمية كما هو معمول به عالميا، لعدم وجود نص قانوني خاص بالاستخلاص والتوزيع، وعدم جود تطبيقات تكنولوجية خاصة “بالريبيرتوار” الفني في المغرب.
استمرار الجدل
ويضيف الباحث قرمان أن القانون الجديد، وبعد انتظار خروجه في الجريدة الرسمية قريبا، سيوفر سلطات ومجالات تدخل أكبر لهذه المؤسسة بإمكانيات بشرية وتكنولوجية مهمة، ويسمح بمعالجة النقائص والبطء المسجل في التدبير.
ويبرز أن المكتب كان يستعين بالخبرة الفرنسية عن طريق الجمعية الفرنسية للملحنين ومنتجي السينما، لتسجيل المنجز الموسيقي في دليل الألحان الوطني والدولي، في حين سيصبح الأمر مسألة مغربية خالصة في تنسيق مباشر مع المنظمة العالمية.
ويعد تحويل المكتب المغربي لحقوق المؤلفين من هيئة تابعة إلى مؤسسة عمومية تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي؛ خطوة غير مسبوقة وجديرة بالثناء، لكن الجدل حول السرقة الفنية باعتبارها جريمة مستمرة عبر الزمن في حق الإبداع، تتطلب أن تكون وسائل الحماية القانونية متوازية أو سباقة للتطورات سريعة الاستغلال الرقمي للمصنفات الموسيقية.