الصحافة _ كندا
في وقت اختار فيه عدد من كبار المسؤولين مغادرة السفينة بصمت، فضّل وزير التربية الوطنية محمد برادة شدّ الفرامل والتمسك بالحرس القديم، عبر تكريس منطق التمديد والاعتماد على أسماء بلغت سن التقاعد، في مفارقة صارخة مع الخطاب الرسمي حول تجديد النخب وربط المسؤولية بالمحاسبة داخل قطاع التعليم.
مصادر مطلعة كشفت أن الوزير أقدم، في خطوة مثيرة للجدل، على التمديد لـ حسن قوضاض، المفتش العام والكاتب العام بالنيابة، رغم بلوغه سن التقاعد، وذلك في خضم تخبط واضح يطبع تنزيل مشاريع “المدرسة الرائدة” وصفقاتها المثيرة للريبة. خطوة اعتُبرت مكافأة سياسية أكثر منها إدارية، بالنظر إلى الدور الذي لعبه المسؤول المذكور في تنفيذ توجهات الوزير ومن ورائه حزب حزب التجمع الوطني للأحرار، الساعي إلى تسويق المشروع كـ“معجزة تعليمية” رغم تصاعد الانتقادات حتى من داخل الأغلبية الحكومية.
الأخطر، بحسب المصادر ذاتها، أن هذا التمديد ليس سوى محطة عابرة لتمهيد الطريق أمام تنصيب قوضاض كاتبًا عامًا رسميًا خلفًا للسحيمي، بعدما تقدم للمباراة كمرشح وحيد، في سيناريو يُغلق الباب أمام أي منافسة حقيقية، ويكرّس عمليًا دفن أسرار صفقات المدرسة الرائدة داخل دهاليز الإدارة.
وتضيف المعطيات أن تعيين مفتش عام جديد، في حال انتقال قوضاض إلى منصب الكاتب العام، سيحوّل كل تفاصيل هذا الورش إلى “علبة سوداء”، خصوصًا إذا تعاقب على الوزارة مستقبلًا وزير غير محسوب على حزب الأحرار، ما يجعل التمديد أداة تحصين سياسي أكثر منه اختيارًا إداريًا.
ولم تكن هذه السابقة الأولى من نوعها، إذ سبق للوزير السابق شكيب بنموسى أن مدّد بدوره لقوضاض قبل انتقاله إلى المندوبية السامية للتخطيط، ما مكّنه من الحفاظ على موقعه رغم شبهات ثقيلة لاحقت فترات سابقة من تدبيره، خاصة في مراقبة تبديد مليارات الدراهم في صفقات التعليم العمومي.
ويجرّ قوضاض إرثًا مثقلًا بالاتهامات، أبرزها التقصير في تتبع “ثقوب سوداء” تسربت منها أموال طائلة، من بينها صفقة اقتناء مئات السيارات، وملفات العتاد الديداكتيكي التي كشفت لاحقًا عن معدات لم تُسلَّم أو وُقّعت محاضر تسلمها بطرق مشبوهة. كما أعادت مراسلة للشبكة المغربية لحماية المال العام سنة 2016 فتح ملف عقارات تعليمية جرى تفويتها بثمن بخس، بعدما رُفعت عنها صفة المنفعة العامة بتزكيات إدارية مثيرة للشكوك.
ولم يتوقف منطق “ريع التمديد” عند هذا الحد، إذ شمل أيضًا محمد اضرضور، مدير الموارد البشرية، إضافة إلى مدير أكاديمية الرباط محمد عواج وعدد من المدراء الإقليميين، في وقت غادر فيه مسؤولون مركزيون ومستشارة الوزير التي أشرفت على تفاصيل صفقات المدرسة الرائدة، والتي انتهت بمؤسسات دون حواسيب أو سبورات أو مقررات، في فضيحة تحاول الوزارة احتواءها بجولات ميدانية واستعراضات شكلية.
أمام هذا المشهد، تتحدث مصادر عن عزوف متزايد لمسؤولين وأطر عن الترشح لمناصب عليا داخل الوزارة خلال عهد برادة، مفضلين انتظار ما ستسفر عنه المرحلة السياسية المقبلة، بعدما تحوّل قطاع التعليم، في نظر كثيرين، من ورش إصلاح وطني إلى مجال مغلق تحكمه التمديدات والولاءات أكثر مما تحكمه الكفاءة والمساءلة.












