الصحافة _ سعيد بلخريبشيا
يعيش مجلس المستشارين على وقع صفيح ساخن إثر إصدار رئيسه، حكيم بنشماش، لمذكرة إدارية حول تنظيم وضبط حضور موظفات وموظفي المؤسسة التشريعية، وهي المذكرة التي وضعت الرجل الرابع في هرم الدولة في فوهة بركان، خاصة مع تفجر فضائح مدوية تتمثل في وجود موظفين كبار يتواجدون خارج أرض الوطن، وآخرون يُديرون مشاريع استثمارية في الأقاليم الجنوبية للمملكة يتلقون الملايين من المال العام دون أن تطأ أقدامهم المؤسسة التشريعية، ومن هم زعماء أحزاب وقياديين كبار في تنظيمات حزبية، علاوة على موظفين تربطهم هكذا علاقات غرامية وجنسية مع مقربات من الرئيس حكيم بنشماش، وخليفته حميد كوسكوس.
وكشف قيادي في نقابة موظفي مجلس المستشارين جملة من التناقضات التي تحملها “مذكرة حكيم وكوسكوس”، والتي نوردها كما يلي:
التناقض الأول: التمييز بين موظفي المقر الرئيسي لمجلس المستشارين وموظفي ملحقة المؤسسة التشريغية، وكأن الملحقة تقع في جزيرة الواقواق.
التناقض الثاني: مطلوب من الموظفين أن يقوموا بما سمته المذكرة الإدارية بالوسم، وفي نفس الوقت يُطلب من الرؤساء المباشرين أن “يبرككوا ” بموظفيهم.
التناقض الثالث: لماذا لم يعتمد هذا النظام إلا اليوم، والحالة أن التجهيزات الخاصة بهذه العملية اقتنيت بميزانية ضخمة منذ مدة طويلة، وكأن الواقفين وراء هذا البؤس كانوا ينتظرون أن تبرد فضيحة كلفة هذه التجهيزات لينطلقوا في عبثهم هذا.
التناقض الرابع: هل كل موظفي مجلس المستشارين لهم مكاتب وظروف عمل محترمة ومهام، أم أن نفس الشلة التي لا يتجاوز عددها عدد أصابع اليد هي الشلة المحظية والمرعية.
التناقض الخامس: ماذا سيفعل من أصدر هذه المذكرة مع محظوظين ومرعيين جدا نادرا ما تطأ أقدامهم مجلس المستشارين، وهناك منهم من هو خارج الوطن ويتلقى راتبه ومنحته بانتظام، وهناك منهم من له استثمارات بالأقاليم الجنوبية للمملكة تدر عليه عشرات الملايين شهريا، ويحرص على رعايتها بشكل يومي وهم خارج العاصمة الرباط بمئات الكيلومترات، وهناك من فُصل من عمله وأُرجع وعُوض بعشرات الملايين من السنتيمات ولا يرى له أثر بمجلس المستشارين.
التناقض السادس: كيف للشخص الذي ورط مجلس المستشارين في هذه المذكرة أن يرف له جفن والجميع يعلم كيف وصل إلى المؤسسة التشريعية، والعلاقات “المشبوهة” التي صارت له داخلها، وكيف يُدبر شؤون الموظفين، وكيف أشرف على المباريات الأخيرة، وكيف تدخل في توزيع المسؤوليات الأخيرة.
التناقض السابع: هل ستسري هذه المذكرة على الحيتان الكبيرة، وكل الموظفين، من مديرين ومستشارين عامين ومقربين وأمناء عامين لأحزاب سياسية، ونافذين. أم أن “التكسكيسة” لن تطال غير الموظفين؟.
التناقض الثامن: بالنظر للطبيعة والهوية الأصلية “مع كامل الأسف” للوظيفة داخل هكذا مؤسسات، هل وقع تقدير ما قد تحدثه المذكرة؟، ألم يسبق أن أعفي و عزل وفصل وأنذر ونبه موظفون، ودارت الدوائر وأعيدوا واستفادوا ولم يعودوا؟.
هذا، وحيث أن المذكرة قالت قي ديباجتها البليدة بأنه وقع الاتفاق (بين من ومع من ولماذا؟) على أن لا تصدر المذكرة وأن لا يشرع في ترويجها و”تفعيلها” إلا بعد انتهاء المتاقشة والتصويت على قانون مالية 2020، باعتبار أن الموظفين في هذه الفترة يتحولون إلى عطاشة/وهو ما تقله المذكرة، فهل لذلك معنى غير أن الإدارة، وأقله من كان وراء هذا المسخ يتعامل بعقلية غير عقلية التدبير العصري للرأسمال البشري، ويمكن أن يضرب صفحا ويغض طرفا عن المذكرة عندما يحين موعد آخر لقانون مالية آخر.
فلا شك أن مجلس المستشارين بقدر ما يتوفر على أطر وكفاءات وإرادات ومؤهلات ومقدرات بشرية ذات تجربة ودراية ونزاهة لا تضاهى (جزء منه مشغل وآخر معطل)، فهو يحمل في جينات المؤسسة تشوهات خلقية من منتخبين وموظفين، والمعالجة في مثل هكذا قضايا لا تتم ب”الكسكسة” بل ب”الحكمة”.