الصحافة _ وكالات
يتجدد النقاش في المغرب من حين إلى آخر عن الملكية البرلمانية، وهو نظام حكم يطالب به فاعلون سياسيون ومدنيون، بحيث “يسود الملك من دون أن يحكم”.
وثمة موجة راهنة من ذلك النقاش مستمرة منذ أن أدلى عمر عزيمان وعبد اللطيف المنوني مستشارا العاهل المغربي الملك محمد السادس، بتصريحات أواخر يوليو/ تموز الماضي.
المنوني قال: “نحن على طريق ملكية برلمانية، لكن بطبيعة الحال ما تزال ثمة بعض المقتضيات التي يلزم تجويدها”.
والملكية البرلمانية هي نظام حكم معتمد في ملكيات عديدة، مثل بريطانيا وإسبانيا، حيث تكون للملك صلاحيات محدودة، بينما تتكلف الحكومة بأبرز صلاحيات تدبير شؤون الدولة.
وينص الفصل الأول من الدستور المغربي على أن “نظام الحكم بالمغرب نظام ملكية دستورية ديمقراطية برلمانية واجتماعية”.
و”يقوم النظام الدستوري للمملكة على أساس فصل السلطات وتوازنها وتعاونها، والديمقراطية والمواطنة والتشاركية، وعلى مبادئ الحكامة الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة”.
فيما قال عزيمان: “لسنا في إطار نظام يشبه الملكية الإسبانية أو الهولندية، حيث يسود الملك من دون أن يحكم، نحن في ظل نظام ملكية من نوع آخر، لكن سلطات الملك محددة”.
شرطان ضروريان
وفق محمد ضريف، محلل سياسي مغربي، فإن “تصريحي مستشاري الملك متكاملان، حيث قدم عزيمان توصيفا للواقع القائم، وهو أن البلاد لا تشبه الملكية الإسبانية أو الهولندية، لكن النظام القائم ليس بالنظام البرلماني”.
“في حين يتحدث المنوني عن كون البلاد على طريق ملكية برلمانية، شريطة إدخال تعديلات جوهرية على بعض المؤسسات”، بحسب المحلل.
ويضيف ضريف أن “مطلب الملكية البرلمانية هو مطلب قديم، حيث رُفع من طرف حركة 20 فبراير وبعض الأحزاب التي كانت تطالب أيضا بهذا النظام، لكن تراجعت عنه”.
و20 فبراير، هي حركة شبابية ظهرت في المغرب إبان الربيع العربي، وطالبت بالكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية.
وتابع أن “فيدرالية اليسار (تضم ثلاثة أحزاب يسارية معارضة وتمتلك مقعدين بالبرلمان) تطالب بهذا المطلب حاليا”.
ويرى ضريف أن “ما قاله المنوني هو الأقرب إلى الصواب.. والوصول إلى الملكية البرلمانية يتطلب شرطين أساسيين، الأول هو أحزاب سياسية قوية ومسؤولة تمتلك كفاءات وقادرة على تحمل مسؤولية تدبير الشأن العام”.
أما الشرط الثاني، بحسب ضريف فهو وجود “مجتمع مدني مسؤول عن اختياراته، فهو الذي يمد الأحزاب بالأطر والكفاءات، ويشكل الكتلة الناخبة”.
واستدرك قائلا: “صحيح أننا في حاجة إلى أحزاب قوية، لأنه لا يمكن الوصول إلى الملكية البرلمانية من دونها، إلا أن هناك سؤالا يطرح نفسه بشدة: من الذي يريد ويحاول تقديم صورة سيئة عن الأحزاب السياسية ليقول إننا في وضع لا يسمح بالملكية البرلمانية؟”.
خصوصية مغربية
من جهته، يعتبر محمد زين الدين، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الحسن الثاني بمدينة المحمدية (شمال)، أن “عزيمان محق في كلامه، خصوصا في ظل خصوصية المسار المغربي، والدولة العلوية التي لها 12 قرنا في حكم البلاد، وهو إرث تاريخي مهم يجعل النظام الملكي بالمغرب متميزا عن باقي الملكيات في العالم”.
ويتابع زين الدين أن “ملكية المغرب لها 4 مشروعيات، تاريخية ووطنية ودينية وسياسية، والأخيرة عرفت تغييرات كبيرة، خصوصا مع دستور 2011”.
ويردف بقوله إن “سلطات الملك محددة بموجب الدستور، وقد أظهر التزاما واحتراما لهذا الدستور”.
ويزيد بأن “الملكية البرلمانية لا يمكن قراءتها، إلا من خلال الخطوط العريضة للتاريخ السياسي للبلاد، ولا يمكن تطبيق الملكية البرلمانية بين عشية وضحاها”.
ويرجح زين الدين “عدم تطبيق المغرب لنظام الملكية البرلمانية في السنوات القليلة المقبلة.. المغرب لا يشبه بريطانيا في نظام الحكم، حيث استغرق الوصول إلى الملكية البرلمانية في تلك الدولة خمسة قرون”.
ويوضح أن “هناك مبادرات للعاهل الملكي في البلاد تعلقت بتحديث وتقوية النظام البرلماني”.
ويستدرك: “ولكن ذلك لا يعني الملكية البرلمانية، بالإضافة إلى التنصيب المزدوج للحكومة، حيث يتم تعيين الحكومة أولا من طرف العاهل المغربي، ثم يتم التنصيب من طرف البرلمان”.
وبحسب الفصل 47 من الدستور المغربي “يعين الملك رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدّر انتخابات أعضاء مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها، ويعين أعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها”.
وينص الفصل 88 أنه “بعد تعيين الملك لأعضاء الحكومة، يتقدم رئيس الحكومة أمام مجلسي البرلمان مجتمعين، ويعرض البرنامج الذي يعتزم تطبيقه”.
ويكون البرنامج “موضوع مناقشة أمام كلا المجلسين، يعقبها تصويت في مجلس النواب. تعتبر الحكومة منصبة بعد حصولها على ثقة مجلس النواب، المعبر عنها بتصويت الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم، لصالح البرنامج الحكومي”.
وبشأن مطالب الأحزاب بالملكية البرلمانية، يعتبر زين الدين أن “المذكرات (وثائق تتضمن مطالب) التي تقدمت بها الأحزاب خلال إعداد دستور 2011 كانت متأخرة بخصوص منظورها للملكية البرلمانية”.
ويستطرد: “في ظل ضعف الأحزاب السياسية بالمغرب وضعف النقابات والمجتمع المدني، يجب أن تبقى الملكية حاضرة وفق صلاحيات ومقتضيات الدستور”.