الصحافة _ كندا
لم تكن الأمطار الغزيرة التي رافقت مباريات كأس الأمم الإفريقية بالمغرب اختباراً عادياً للبنية التحتية الرياضية، بل تحولت إلى لحظة كاشفة وضعت التجربة المغربية تحت مجهر الإعلام الدولي. من نيويورك إلى بكين، مروراً بعواصم أوروبية كبرى، أجمع المتابعون على حقيقة واحدة: ما جرى في الملاعب المغربية يتجاوز كرة القدم بكثير.
السؤال الذي تردد في كبريات المنابر الإعلامية لم يكن عن النتائج أو النجوم، بل عن “السر المغربي”. كيف استطاعت ملاعب حديثة أن تصمد أمام كميات كبيرة من الأمطار دون ارتباك أو توقف؟ وكيف نجح بلد يواجه تحديات ندرة المياه في تحويل هذا الإكراه إلى نقطة قوة؟
التحليلات الدولية ذهبت بعيداً في تفكيك هذا النموذج، معتبرة أن المغرب لم يبنِ ملاعب تقليدية، بل أنجز منظومات ذكية قادرة على امتصاص المياه، تنظيم الرطوبة، وإعادة توظيف الموارد، ضمن رؤية تقوم على الاستباق والتخطيط بدل ردّ الفعل. أرضيات اللعب، وفق هذه القراءات، ليست مجرد عشب، بل بنية هندسية معقدة تعتمد على طبقات ترشيح دقيقة، وأنظمة تصريف ذكية، ومجسّات رقمية تشتغل في الزمن الحقيقي.
وما شدّ انتباه المتابعين أكثر هو أن هذه الاختيارات التقنية لم تكن معزولة أو ظرفية، بل مندمجة في تصور وطني أوسع، يربط بين الرياضة، والبيئة، والأمن المائي. فالملاعب تحولت إلى “حدائق-أنظمة”، تعكس فهماً عميقاً لعلاقة الإنسان بالمجال، وقدرة الدولة على توظيف التكنولوجيا لخدمة رهانات استراتيجية.
في هذا السياق، لم تعد كرة القدم مجرد فرجة عابرة، بل أصبحت واجهة لمشروع تنموي متكامل، يراكم التجربة، ويستثمر المعرفة، ويؤسس لسيادة تكنولوجية في مجال حساس كالماء. وهو ما جعل التجربة المغربية تُقدَّم، في تقارير دولية عديدة، كنموذج ملهم لدول أخرى تبحث عن حلول ذكية لمواجهة التحولات المناخية.
هكذا، كشف “الكان” وجهاً آخر للمغرب: بلد لا يكتفي بتنظيم التظاهرات، بل يستغلها لبناء رؤية بعيدة المدى، حيث تتحول الملاعب إلى مختبرات ابتكار، وتصبح الكرة مدخلاً لإعادة التفكير في التنمية، والسيادة، والمستقبل.














