الصحافة _ كندا
في لحظة فارقة كشفت عن هشاشة بعض الخطابات الإقليمية التصعيدية، أكد رئيس الحكومة الإسبانية أن بلاده تمكنت من استعادة الإمدادات الكهربائية في عدد من المناطق التي تأثرت بانقطاع واسع، بفضل الربط الكهربائي مع كل من المغرب وفرنسا. هذا التصريح الرسمي، الذي أتى في ظرفية دقيقة، يحمل دلالات سياسية ودبلوماسية بالغة العمق، تؤكد من جديد أن المصالح المشتركة والتكامل الإقليمي يتفوقان على أي محاولات لزرع الانقسام أو زعزعة الاستقرار.
المفارقة هنا لافتة: في الوقت الذي يواصل فيه النظام العسكري الجزائري بث خطابات عدائية تهدد الأمن الطاقي الإقليمي، تقدم الوقائع الميدانية دليلا قاطعا على أن المغرب، عبر التزامه الثابت بمبادئ الشراكة والتكامل، يشكل اليوم أحد ركائز استقرار المنظومة الطاقية المتوسطية.
تصريحات رئيس الحكومة الإسبانية لم تكن مجرد إشادة تقنية بفعالية الربط الكهربائي، بل إعلان دبلوماسي صريح عن أهمية هذا التعاون الثلاثي المغربي-الإسباني-الفرنسي في أوقات الأزمات. لقد أظهرت خطوط الربط العابرة للحدود أنها أكثر من مجرد بنى تحتية: إنها تجسيد مادي لثقة سياسية، وخيار استراتيجي يضع التعاون فوق كل اعتبارات سياسية ضيقة أو محاولات ابتزاز جيوسياسي.
إن عودة التيار الكهربائي للإسبان عبر الربط مع المغرب رسالة قوية إلى دعاة التصعيد: الأمن الطاقي لا يبنى على التهديدات والشعارات الفارغة، بل على التعاون والتكامل الثنائي والإقليمي. والمغرب، برؤيته الملكية المتبصرة، يدرك جيداً أن تعزيز موقعه كفاعل طاقي وشريك موثوق في الضفة الشمالية للمتوسط لا يمر عبر المغامرات، بل عبر استراتيجيات ذكية تراكم الثقة والمصداقية.
في هذا السياق، يبدو أن رهان الجزائر على تعطيل مسارات التعاون الإقليمي قد أصيب بنكسة جديدة. فبينما تغلق الحدود وتنفخ في نار العداء، يفتح المغرب خطوط الربط وينسج شراكات استراتيجية مبنية على المصالح المتبادلة والاحترام المتبادل.
الأزمة الكهربائية العابرة، التي كادت أن تتحول إلى كارثة لولا تدخل الربط المغربي، تثبت مرة أخرى أن مصير الضفتين الجنوبية والشمالية للمتوسط مرتبط ارتباطا عضويا، وأن المغرب بات رقما صعبا في معادلة أمن الطاقة الإقليمي.
ولعل دعوة رئيس الحكومة الإسبانية لمواطنيه إلى التعامل برشد مع وسائل الاتصالات خلال الأزمة، يكشف أن استعادة الثقة الكاملة في الشبكة الكهربائية الإسبانية تمر عبر استدامة هذه الشراكات مع المغرب وفرنسا، وليس عبر التورط في ألعاب التصعيد والقطيعة.
باختصار، في زمن الأزمات، لا يصمد سوى من بنى جسور التعاون والثقة. والمغرب، مرة أخرى، يثبت أنه قوة استقرار إقليمي، وحليف موثوق، وصانع توازنات ذكية في محيط مضطرب.