الصحافة _ الرباط
انتقد محمد صالح التامك، المدير العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج، التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات برسم سنة 2018، في الشق المتعلق بتدبير المؤسسات السجنية، وقال إن الملاحظات الواردة في التقرير “تعطي للمتلقي انطباعا بتوجه عدمي، يفهم من خلاله أن الفساد والتقصير مستشريين في مؤسسات الدولة بشهادة من المجلس كمؤسسة دستورية”.
وفي أول رد فعل على تقرير للمجلس الأعلى للحسابات، هذا المجلس الذي أصبح بعبعا يرهب السياسيين والمسؤولين بجميع القطاعات، سجل محمد صالح التامك، المدير العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج، سابقة حيث توقف في مراسلة لرئيس المجلس إدريس جطو، عند مجموعة من النقاط، التي يتوقف عندها كل الفاعلين، الذين تناولت تقارير المجلس الأعلى للحسابات طريقة تدبيرهم للمؤسسات أو الأحزاب أو الوزارات أو الهيئات والجمعيات التي يشرفون عليها، ويتداولونها في جلسات خاصة، دون أن يستطيعوا الجهر بها، خوفا من “سلطة” الحساب.
وارتباطا بنشر التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات برسم سنة 2018، وخاصة الجزء المتعلق بتدبير المؤسسات السجنية، اعتبرت المندوبية العامة، حسب التامك، أن “كل التوصيات الموضوعية الصادرة بتقرير المجلس تتطابق مع تصورها الاستراتيجي ومع الأهداف المسطرة في برنامج عملها وأن هذه التوصيات كفيلة بالنهوض بقطاع إدارة السجون وإعادة الإدماج، بما يحفظ حقوق السجناء ويضمن الأمن والانضباط ويساهم في الحد من ظاهرة العود”، قبل أن يستدرك قائلا “لكن قراءة التقرير تثير مجموعة من الملاحظات الأولية التي تم تسجيلها عند قراءته”، متوقفا عندها.
وانتقد التامك إشارة التقرير المنشور، وبالحرف، إلى أن “المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج لم يدل بتعقيباته حول الملاحظات التي تم تبليغها إليه”، موضحا، عكس ذلك، أن “المجلس الأعلى للحسابات توصل بها بواسطة كتابي عدد 1043 بتاريخ 7 شتنبر2018 وضمنها في تقريره الأولي موضوع رسالتكم عدد 812/2018 بتاريخ 22 نونبر2018. وفي إطار التواصل مع المجلس، تم الاتصال من طرف أحد أعضاء لجنة الافتحاص بأحد مسؤولي المندوبية العامة للتأكيد على أنه لا داعي للتعقيب على النسخة الثانية والاكتفاء بالأجوبة التي سبق أن تضمنها التقرير الأولي. لكن المندوبية العامة تستغرب عدم تضمين الأجوبة المذكورة ولا أخذها بالاعتبار في صياغة التقرير المنشور”ّ.
وانتقد التامك “تركيز المجلس على النواقص، فقط، وتجاهل الجوانب الإيجابية، التي وقف عليها”، ما نتج عنه، حسب التامك “ردود فعل ذات طابع تهويلي وتضليلي وتشهيري من لدن بعض المنابر الصحفية الورقية منها والإلكترونية، هذا علما أن النواقص المثارة مرتبطة بإكراهات وعوائق موضوعية سجلها المجلس وأكدت عليها المندوبية العامة في أجوبتها، وتخص فقط جوانب تدبيرية، لا علاقة لا باختلاسات مالية، ولا بهدر للمال العام”.
كما توقف التامك، في المراسلة ذاتها، عند تسجيل التقرير عدم بلوغ بعض أهداف المخطط الاستراتيجي الذي تم تسطيره من طرف المندوبية العامة لتجاوز الإشكالات المطروحة، في حين، يقول التامك إن التقرير “تجاهل الإشارة إلى الجزء المتعلق بالإكراهات التي من شأنها عدم تحقيق بعض الأهداف المسطرة، حيث إن تنفيذ هذا المخطط بقي رهينا بتوفير الامكانيات المادية والبشرية الضرورية، والتحكم في نمو الساكنة السجنية، وبمستوى انخراط كافة القطاعات المعنية بمؤازرة المندوبية العامة في تنزيل اختصاصاتها، وهي إجمالا الملاحظات نفسها التي خلص إليها التقرير، وكلها عوامل لا يمكن تحميل مسؤوليتها للمندوبية العامة التي دعت غير ما مرة إلى تعزيز الإمكانات المادية والبشرية، بل عمدت إلى التحسيس بذلك في مختلف تقاريرها وتدخلاتها لدى الجهات الحكومية المعنية، وبمناسبة مناقشة الميزانية الفرعية للقطاع سنة بعد أخرى أمام غرفتي البرلمان، منذرة بضرورة التدخل من أجل تفادي تدهور الأوضاع الأمنية بالمؤسسات السجنية”.
إضافة إلى ذلك، يقول التامك إن استعمال بعض العبارات من قبيل “الاختلالات” وغيرها من الكلمات ذات الدلالة السلبية (“قصور”، “محدودية” “…) خلقت خلطا لدى المتلقي واستغلت من طرف وسائل الإعلام المذكورة لجلد المندوبية العامة ونهشها lynchage public) (.
وبلهجة ساخرة، قال التامك في مراسلته إلى جطو، “اسمحوا لي أن أشاطركم بعض العناصر التي تبرز بعض التناقضات الواردة في التقرير، ليس من باب التعقيب على كل الملاحظات الواردة فيه، بل من باب التوضيح من خلال ربط النواقص المسجلة بالإكراهات المرتبطة بها وإبراز النتائج المحققة رغم هذه الاكراهات.
وقال “لقد وقف التقرير على ما وصفها بـ”اختلالات” و”تدهور” الوضع الأمني، من بينها ما هو مرتبط بالنقص في التجهيزات الأمنية كأنظمة المراقبة الالكترونية أو معدات إطفاء الحرائق وغيرها وهي ملاحظات مرتبطة بمحدودية الموارد المالية المرصودة للمندوبية العامة كما سبق ذكره، ومنها ما هو مرتبط بالبنيات التحتية كعدم وجود أبراج المراقبة أو انعدام المناطق العازلة في محيط بعض المؤسسات السجنية، دون ربط هذه الملاحظة بموقع المؤسسات السجنية المعنية داخل أماكن آهلة بالسكان ولا بتصميمها الهندسي، علما أن المندوبية العامة أشارت إلى هذا الإكراه في أجوبتها وأنه في ظل هذه الشروط وبالنظر إلى التعثر الحالي لبرنامج استبدال هاته المؤسسات بأخرى عصرية لا يمكن تجاوز هاتين الملاحظتين.”
وأضاف التامك “كما أن ملاحظة المجلس المتعلقة بعدم احترام المقتضيات القانونية الخاصة بوجوب إيواء المعتقلين الاحتياطيين في زنازين انفرادية غير صحيحة”، مشيرا إلى أن “المادة 7 من القانون 23/98 تنص على عدم التقيد بوجوب إيواء السجناء الاحتياطيين في أماكن للاعتقال الانفرادي في حالة الاكتظاظ، وهو واقع المؤسسات السجنية حاليا”. مضيفا “كان حريا بالمجلس التطرق للأسباب الكامنة وراء ارتفاع عدد المعتقلين الاحتياطيين، وهو العامل الرئيسي في الاكتظاظ الذي يعاني منه القطاع حاليا، بدل الاكتفاء بإثارة أحد تجليات هذه المعضلة”، متابعا “كما أن الإشارة إلى المادة 32 من نفس القانون ليست في محلها لأنها تخص وضع المعتقل في العزلة كتدبير تأديبي. كما ان مطلب برمجة نسبة الزنازين الانفرادية في حدود معدل الاعتقال الاحتياطي في تصاميم البناء يبقى بعيد المنال بالنظر لكلفة هذه العملية مقارنة بمحدودية الموارد المالية”.
ولم يفت التامك الإشارة إلى “إغفال التقرير تسجيل الطفرة النوعية التي تم تحقيقها في السنوات الأخيرة، على مستوى هندسة وبناء المؤسسات السجنية الجديدة، وعلى المجهودات المبذولة في عقلنة تدبير الموارد المالية والبشرية لتغطية الحاجات الأساسية لقطاع إدارة السجون وإعادة الإدماج مع ابتكار أساليب جديدة لتحقيق الفعالية المنشودة، مما ادى الى التحكم والضبط الأمني في المؤسسات السجنية، ولا أدل على ذلك أكثر من نسبة الفرار المسجلة والتي تقل عن النسب المسجلة في بعض الدول التي ذكرها التقرير مع فارق الإمكانيات المرصودة، وهو ما أكده المجلس في تقريره الأولي ولم يدرجه في التقرير المنشور أو نسبة الاعتداءات داخل المؤسسات السجنية التي عرفت تراجعا منذ 2016 وهو ما أكده المجلس في تقريره الأولي، وسكت عنه في التقرير المنشور”.
أما بخصوص الملاحظات المتعلقة بتغذية المعتقلين، والتي تم تعميم إسنادها لشركات متخصصة منذ 2016 فإن المندوبية العامة، حسب التامك، “أولت اهتماما خاصا لهذا المشروع الذي يشكل في حد ذاته تحديا فعليا، إن على مستوى “ادارة التغيير” (“conduite de changement) في صفوف الموظفين بالانتقال من مبدأ التدبير المباشر الى مبدأ المناولة او على مستوى الاكراهات التي تفرضها البنيات التحتية ونقص العنصر البشري فيما يخص الإشراف على عملية توزيع الوجبات”. غير أن المندوبية العامة تعتبر، حسب التامك، أن “المنطق كان يستدعي مقارنة موضوعية لهذه العملية قبل وبعد إسنادها للقطاع الخاص، إذ على مستوى تنوع النظام الغذائى وجودة الوجبات والرفع من شروط السلامة الغذائية ناهيك عن تخفيف العبء على الموظفين الذين كانوا مكلفين سابقا بتفتيش قفف المؤونة للحيلولة دون تسريب الممنوعات وعن التخفيف من معاناة عائلات المعتقلين. كما أن المدة التي كانت قد استغرقتها هذه التجربة الفتية وقت إجراء الافتحاص، أي خلال فترة لا تتعدى السنة، غير كافية لإجراء تقييم موضوعي وعلمي لها”.
أما بخصوص الملاحظات المتعلقة بالرعاية الصحية للسجناء، والتي تعتبر مسؤولية مشتركة تتقاسمها المندوبية العامة مع وزارة الصحة، وبالرغم من محدودية تدخل هذه الأخيرة والتي وقف عليها المجلس وكذا من الإمكانيات المحدودة للمندوبية العامة وطبيعة الوسط السجني، أوضح التامك أن “التقرير لم يشر إلى المؤشرات الخاصة بها والتي تتجاوز في مجملها نظيرتها على المستوى الوطني، إن على مستوى نسبة الوفيات أو نسب التأطير الطبي والشبه الطبي أو نسبة الفحوصات أو النتائج المحققة على مستوى البرامج الوطنية كالبرنامج الوطني لمحاربة السل مثلا”. أما بالنسبة لضعف اللجوء إلى التعاقد مع الأطباء المتعاقدين فهو “إشكال تواجهه المندوبية العامة في بعض المناطق التي لا يتوفر بها أطباء أصلا ولقيمة التعويضات القانونية الحالية وهذه اكراهات خارجة عن ارادة المندوبية العامة، وهو ما لم يتم الاشارة له في التقرير المنشور”.
وسجل التامك “إغفال التقرير، كذلك، البرامج النوعية التي أطلقتها المندوبية العامة، ولاقت إقبالا كبيرا من لدن مختلف فئات السجناء من قبيل برنامج الجامعة في السجون وبرنامج التثقيف بالنظير الرامي إلى إشاعة ثقافة التسامح في الوسط السجني وبرنامج “مصالحة” الذي يستهدف فئة السجناء المحكوم عليهم وفقا للمقتضيات الخاصة بالإرهاب والتطرف، علاوة على ملتقى السجناء الأحداث وبرامج أخرى تخص النزيلات”.
وقال التامك إن “المندوبية العامة كانت تأمل ان يتضمن هذا التقرير الورقة التركيبية حول تدبير قطاع السجون وإعادة الإدماج بالمملكة المرفقة بتعقيباتها الموجهة إلى المجلس بمناسبة الرد على الصيغة الأولى لتقريره (طيه نسخة منها)، والتي تعرض بإيجاز الخطوط العريضة للديناميكية التي انخرط فيها القطاع في السنوات الاخيرة والتي يشهد بها الفاعلون الوطنيون وكذا التقارير الدولية المعنية بحقوق الانسان”.
وفي الختام، قال التامك موجها كلامه إلى جطو إنه “وفي الوقت الذي كان من المفروض أن يأخذ التقرير طابعا توجيهيا وتصحيحيا تعتمد عليه المندوبية العامة لأجل تطوير أدائها، فإن الطريقة التي جاء بها في صيغته المنشورة، سواء في مضامينه أو في استعماله لبعض العبارات والمصطلحات، تعطي للمتلقي انطباعا بتوجه عدمي يفهم من خلاله أن الفساد والتقصير مستشريين في مؤسسات الدولة بشهادة من المجلس كمؤسسة دستورية، ولا أدل على ذلك أكثر من الطريقة التشهيرية التي تناولت بها وسائل الإعلام مضامين التقرير”.