القاسم الانتخابي والتقطيع على المقاس.. هل نحن أمام إصلاح أم إعادة إنتاج نخب فاسدة؟

10 أغسطس 2025
القاسم الانتخابي والتقطيع على المقاس.. هل نحن أمام إصلاح أم إعادة إنتاج نخب فاسدة؟

الصحافة _ كندا

يعيش المغرب، على وقع نقاش متجدد حول تعديل منظومة القوانين الانتخابية، في سياق دعوة ملكية واضحة لتوفير الإطار القانوني المنظم لانتخابات مجلس النواب قبل نهاية السنة الجارية. ورغم أن هذا النقاش يبدو، في ظاهره، خطوة نحو التجويد والتحسين، إلا أن التجربة السياسية المغربية تكشف أن تعدد التغييرات، واقترانها بكل استحقاق، يطرح تساؤلات جوهرية حول النوايا الحقيقية الكامنة وراءه، وحول ما إذا كان الأمر يتعلق بإصلاحات مؤسَّسة على رؤية إستراتيجية، أم بمجرد ترتيبات ظرفية تهدف إلى إعادة تشكيل الخريطة السياسية وفق حسابات آنية.

من أبرز القضايا التي ستتصدر النقاش، مسألة القاسم الانتخابي، التي شكلت “سابقة قانونية” في انتخابات 2021، بعدما جرى اعتماد طريقة احتساب مثيرة للجدل، سمحت باحتساب أصوات غير المشاركين في التصويت ضمن القاعدة المعتمدة لتوزيع المقاعد. هذه الصيغة، التي وُصفت بأنها “بدعة قانونية”، لم تحقق أهدافها المعلنة، بل أتاحت لحزب العدالة والتنمية، الذي كان يُفترض أن يتضرر منها، فرصة الاستفادة، وهو ما أعاد الجدل حول جدواها، وإمكانية التراجع عنها.

قضية التقطيع الانتخابي تمثل بدورها ملفًا حساسًا؛ إذ لا يخفى أن المعيار السياسي ظل حاضرًا بقوة في رسم الخرائط الانتخابية، على حساب المعايير السكانية والإحصائية المتعارف عليها دوليًا. غياب الانسجام بين عدد السكان وعدد المقاعد المخصصة للدوائر، ووجود تفاوتات فادحة قد تصل إلى عشرات المرات بين دائرة وأخرى، يؤكد أن التقطيع كان، في كثير من الأحيان، أداة لضبط التوازنات، أكثر منه وسيلة لتحقيق العدالة الانتخابية.

ملف تمثيلية النساء والشباب يطرح إشكالية إضافية، إذ أن الانتقال من اللائحة الوطنية إلى تمثيل جهوي، واشتراط ترتيب معين للمرشحين، أضعف من حضور الشباب في البرلمان. النقاش المطروح اليوم يتجاوز مجرد رفع حصص أو مقاعد، إلى التفكير في آليات تُمكّن هذه الفئات من ممارسة أدوارها التمثيلية بشكل فعلي، بعيدًا عن منطق “التمثيل الرمزي” أو الاستعمال الدعائي.

أما تمويل الأحزاب، فهو أحد أكثر الملفات ارتباطًا برهان تخليق الحياة السياسية، حيث ما زالت الممارسات المرتبطة بشراء الولاءات والترشيحات من طرف رجال الأعمال والأعيان تشكل تهديدًا لسلامة العملية الانتخابية. ورغم مشروعية ترشح هذه الفئة، فإن الوسائل المالية الضخمة التي توظفها غالبًا ما تُغرق المنافسة في وحل الفساد السياسي، خاصة في ظل تساهل بعض الأحزاب مع هذه الممارسات، بل وسباقها إلى استقطاب هذه العناصر، على حساب المناضلين والكفاءات الحزبية.

إحدى الإشكاليات البنيوية التي تواجه التجربة المغربية هي التغيير المستمر للقوانين الانتخابية. فخلافًا للتجارب الديمقراطية التي تحافظ على استقرار هذه القوانين لعدة دورات، يلاحظ في المغرب أن لكل استحقاق قانونه الخاص، ما يبعث رسالة سلبية حول استقرار القواعد الناظمة للعبة السياسية، ويُعزز الانطباع بأن الهدف ليس التراكم الديمقراطي، بل التكيف مع موازين القوى المتغيرة.

ملف مشاركة مغاربة العالم يظل بدوره مؤجل التنفيذ، رغم التنصيص الدستوري على حقهم في التمثيل والمشاركة. حصر تمثيليتهم في بعض الترشيحات الجهوية، دون تمكينهم من التصويت المباشر عبر دوائر في بلدان الإقامة، جعل مساهمتهم في الحياة السياسية هامشية، بنسبة لا تتعدى 0.01% من مجموعهم، وهو أمر يُفرغ النص الدستوري من محتواه.

وأخيرًا، فإن مواجهة العزوف الانتخابي لا يمكن اختزالها في تدابير تقنية، مثل تخفيض سن التصويت، أو ربط الاستحقاقات بفعاليات كبرى كالمونديال. الرهان الحقيقي يكمن في استعادة الثقة بين الناخبين والمؤسسات، عبر نقاش عمومي جاد، وعروض سياسية واقعية، والتزام حقيقي بالبرامج الانتخابية.

خلاصة القول، إن أي إصلاح انتخابي جدي ينبغي أن يُبنى على قاعدة الاستقرار التشريعي، والتخليق، وضمان المساواة الفعلية في التنافس، وإشراك كل الفئات بما فيها الجالية المغربية. غير أن استمرار منطق “الهندسة السياسية” عبر التقطيع، والقاسم الانتخابي، والصفقات الحزبية مع الأعيان، لن يؤدي إلا إلى إعادة إنتاج نفس الأعطاب التي عطلت المسار الديمقراطي المغربي لعقود.

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص المحتوى والإعلانات، وذلك لتوفير ميزات الشبكات الاجتماعية وتحليل الزيارات الواردة إلينا. إضافةً إلى ذلك، فنحن نشارك المعلومات حول استخدامك لموقعنا مع شركائنا من الشبكات الاجتماعية وشركاء الإعلانات وتحليل البيانات الذين يمكنهم إضافة هذه المعلومات إلى معلومات أخرى تقدمها لهم أو معلومات أخرى يحصلون عليها من استخدامك لخدماتهم.

اطّلع على التفاصيل اقرأ أكثر

موافق