الصحافة _ فدوى شوقي وكمال ازنيدر
عرف يوم الأحد 22 مارس 2020 مصادقة مجلس الحكومة المغربي على مشروع مرسوم رقم 2.20.292 يعاقب بموجبه كل مخالف لأوامر وقرارات السلطات العمومية بالحبس من شهر إلى 3 أشهر وبغرامة تتراوح بين 300 و1300 درهم أو بإحدى العقوبتين دون الإخلال بالعقوبة الجنائية الأشد.
مشروع هذا المرسوم يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، وهو يندرج طبقا لأحكام الفصل 81 من الدستور، في إطار تدابير الوقاية الاستعجالية التي تتخذها السلطات العمومية من أجل الحد من تفشي جائحة “فيروس كورونا”.
فحسب مقتضيات الفصل 21 من الدستور ”تضمن السلطات العمومية سلامة السكان وسلامة التراب الوطني، في إطار احترام الحريات أو الحقوق الأساسية المكفولة للجميع”.
كما شهد اليوم ذاته مصادقة نفس الجهة على مشروع مرسوم رقم 2.20.293، الذي يعلن عن حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني إلى غاية يوم 20 أبريل 2020 في الساعة السادسة مساء، وذلك من أجل مواجهة تفشي فيروس كورونا (كوفيد 19).
المرسومين معا دخلا حيز التنفيذ وأصبحا جاري بهما العمل بعد نشرهما بالجريدة الرسمية يوم الإثنين 23 مارس 2020. إلا أن تنفيذهما عرف مجموعة من الاختلالات واعترته مجموعة من الخروقات والتجاوزات سواء من قبل بعض المواطنين أو من قبل بعض رجالات السلطة.
● خروقات من قبل بعض المواطنين :
فبالرغم من إصدار هذين المرسومين وما سبقهما من إجراءات، سجلت بعض المصالح الأمنية سواء بالعاصمة الإدارية الرباط أو الاقتصادية الدار البيضاء وغيرهما من مدن المملكة حالات منعزلة لخرق القانون وعدم احترام لحالة الطوارئ الصحية التي أقرتها الدولة المغربية لمواجهة انتشار فيروس “كوفيد 19” ومحاصرته داخل المغرب.
فمن المواطنين المغاربة من لم يستوعبوا بعد خطورة الوضع، فأظهروا تهورا وعدم اكتراث قد لا يحمدا عقباهما ويتسببا في كارثة وخيمة، بالاستمرار في ممارسة حياتهم اليومية بشكل عادي وكأن ليس هناك جائحة تهدد البلد والعالم بأسره وكذا قوانين تحظر التجول بالمغرب.
الانفلاتات هذه اضطرت بالقوات الأمنية إلى التدخل بشكل صارم لحمل هؤلاء الخارجين عن القانون على الامتثال لمقتضيات حالة الطوارئ الصحية وملازمة بيوتهم. وكذا فرضت عليها القيام بعمليات مداهمة يومية لمجموعة من المحلات التجارية وأماكن التجارة العمومية لحمل أصحابها والعاملين فيها على إنهاء نشاطهم التجاري في الوقت القانوني والعودة إلى محلات سكناهم.
عمليات السهر على احترام حالة الطوارئ الصحية هذه، شهدت اعتقال المصالح الأمنية المغربية في الأيام الماضية لما يقارب 250 شخصا خرقوا الحجر الصحي ووجدوا في الشارع دون مبرر. البعض منهم تمت محاكمته وإصدار أحكام بالسجن في حقه.
أول محاكمة شهدها البلد في هذا السياق دارت سيناريوهاتها بالمحكمة الابتدائية بالقنيطرة، يوم الأربعاء 25 مارس، وانتهت بإصدار أول حكم بالسجن في قضية خرق الطوارئ الصحية بالمغرب، إذ حكمت القاضية نعيمة أزداك على شاب من أبناء المدينة بستة أشهر حبسا نافذا وغرامة مالية قدرها 500 درهم.
وفي نفس اليوم، قضت المحكمة الابتدائية بمدينة طنجة بالحبس النافذ لمدة 3 أشهر، في حق شاب في عقده الثالث، لخرقه قانون حالة الطوارئ الصحية وحيازة المخدرات والسكر العلني والعصيان. وفي يوم الجمعة 27 مارس، قررت محكمة وزان الابتدائية حبس متهم بخرق حالة الطوارئ الصحية والعصيان 4 أشهر حبسا نافذة وغرامة مالية قدرها 1000 درهم.
● تجاوزات بعض رجالات السلطة :
عمليات التتبع والترصد لخروقات المواطنين لمقتضيات حالة الطوارئ الصحية كانت في عمومها مثالية وقانونية. لكن البعض منها تخللتها بعض الهفوات والتجاوزات من قبل بعض رجالات السلطة. بعض هذه الزلات قد يغض المرء طرفه عنه، والبعض الآخر لا لكونه مرفوض بشكل كبير جدا ومسيء لكرامة المواطن وصورة الدولة وكذا اقتصادها.
فالعديد منا شاهدوا، وربما كلنا شاهدنا، مؤخرا مجموعة من الفيديوهات لبعض رجالات السلطة أثناء مزاولتهم لمهامهم في حفظ أمن وسلامة المواطنين ومنع أي شخص يتجول بدون حمله للوثيقة الرسمية التي تبرر خروجه من البيت، وهم يمارسون العنف بالسب والشتم والضرب في حق كل مواطن وجد في الشارع بدون عذر.
هذه الفيديوهات تم تداولها بشكل كبير جدا وعلى نطاق جد واسع بمختلف شبكات التواصل الاجتماعي : واتساب، فيسبوك، تويتر، إنستغرام… كما ليس هناك موقع إلكتروني للأخبار إلا وقام بنشرها. وبشكل شخصي، صدمنا ونحن نشاهد بثها على شاشات فضائيات دولية كقناة البي بي سي.
أبطال هذه الفيديوهات لو لم يكن لباسهم لباسا عصريا لاعتقدنا أننا نشاهد مشاهد لأحداث تدور مجرياتها بأراضي تابعة لحكم طالبان، داعش، بوكو حرام وغيرهم من جماعات السلفية الجهادية. فحتى إيران والسعودية لا تتعامل فيهما السلطات الأمنية مع الخارقين للقوانين قبل محاكمتهم بهذا الشكل.
فبالمغرب هناك قانون “حضاري” وضع لتأطير سلوكيات أفراد المجتمع والحد من زلاتهم وتجاوزاتهم. وإذا كنا سنعود لسياسة الصفع والركل والرفس فالأفضل بنا أن نلغي كل القوانين لأنها ستصبح بدون فائدة. وإذا ما سلمنا بهذا المبدأ وهذه المقاربة “الجاهلية” سنكون ضاربين عرض الحائط كل المبادئ التي كرس لها المغرب جزءا من جهوده وسياساته طيلة هذه العقود الأخيرة.
فكما نعلم الدستور هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة. ودستورنا المغربي ينص في فصله 22 على أنه ”لا يجوز المس بالسلامة الجسدية أو المعنوية لأي شخص، في أي ظرف، ومن قبل أي جهة كانت، خاصة أو عامة. لا يجوز لأحد أن يعامل الغير، تحت أي ذريعة، معاملة قاسية أو لا إنسانية أو مهينة أو حاطة بالكرامة الإنسانية. ممارسة التعذيب بكافة أشكاله، ومن قبل أي أحد، جريمة يعاقب عليها القانون”.
أما قانوننا الجنائي فينص في الفصل 231 : “كل قاض أو موظف عمومي، أو أحد رجال أو مفوضي السلطة أو القوة العمومية يستعمل أثناء قيامه بوظيفته أو بسبب قيامه بها، العنف ضد الأشخاص أو يأمر باستعماله بدون مبرر شرعي، يعاقب على هذا العنف، على حسب خطورته، طبقا لأحكام الفصول 401 إلى 403 مع تشديد العقوبات على النحو الآتي :
– إذا كانت الجريمة جنحة ضبطية أو تأديبية، فإن العقوبة تكون ضعف العقوبة المقررة لتلك الجنحة ؛
– إذا كانت جناية معاقبا عليها بالسجن من خمس إلى عشر سنوات فإن العقوبة تكون السجن من عشر إلى خمس عشرة سنة؛
– إذا كانت جناية معاقبا عليها بالسجن من عشر إلى عشرين سنة فإن العقوبة تكون من عشرين إلى ثلاثين سنة”.
هذا الفصل وكذا الفصل 124 من نفس الوثيقة القانونية الذي يقول ”لا جناية ولا جنحة ولا مخالفة في الأحوال التالية : إذا كان الفعل قد أوجبه القانون وأمرت به السلطة الشرعية…”، يمكنان السلطات الأمنية من الحفاظ على النظام العام قبل وقوع الجريمة وذلك بإعطائها صلاحيات التدخل لمنع الجريمة وحفظ السكينة والأمن ويدخل في ذلك استعمال العنف المشروع وجميع الوسائل المتاحة لنجاح مهمتها هذه.
إلا أن نازلة الحال، كما وثقتها الكاميرات وشاهدناها على مواقع وشبكات الإنترنت، ظروفها أو حيثياتها لا تقتضي ما عايناه من ممارسة رجالات السلطة للعنف. فالجرم تحقق والمتهم قبض عليه، بالتالي كان الأولى آنذاك سلوك المساطر القانونية كما هي لا الذهاب عكس ما جاء فيها.
المواطنين الذين تعرضوا للعنف الجسدي، احتمال كبير، لو خيرناهم بين أن يشتموا ويضربوا أو يسجنوا ويؤذوا غرامة مالية فسيختارون التعرض للشتم والضرب. لكن رجل السلطة “المحترف” هو لا يمتثل في أدائه لمهامه لأهوائيات الغير أو أهوائياته بل هو يمتثل للقانون الذي هو موكل بمهمة حمايته والسهر على حسن تطبيقه.
وهنا القانون واضح وضوح الشمس في عز النهار. فالمرسوم بقانون رقم 2.20.292 الصادر في 23 مارس 2020 والمتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها ينص على معاقبة كل مخالف لأوامر وقرارات السلطات العمومية لتجاوز الأزمة الحالية بالحبس من شهر إلى 3 أشهر وبغرامة تتراوح بين 300 و1300 درهم أو بإحدى العقوبتين دون الإخلال بالعقوبة الجنائية الأشد، لا على شتمه وضربه وأمره بالانصراف للبيت.
ففي هذا الشتم والضرب شطط في استعمال السلطة ولجوء غير مبرر لآلية العنف. وهذا خرق للدستور وكذا للفصل 231 من القانون الجنائي المغربي السالف الذكر. وفي الأمر بالانصراف للبيت تستر على مخالف للقانون ومساعدة على الإفلات من العقاب وكذا مساهمة في خلق أجواء من الفوضى والتسيب بالتشجيع على معاودة الخرق. وهذه أفعال مجرمة ومعاقب عليها قانونيا.
● الإفلات من العقاب وإضعاف الاقتصاد الوطني :
كما أنه في هذه الأفعال الناجمة عن سياسة الشتم والضرب والأمر بالانصراف للبيت ضرب لاقتصاد المملكة المغربية. ففي التستر على مخالفة قانونية يعاقب عليها بغرامة مالية مساهمة في إضعاف الاقتصاد الوطني عبر التسبب في حرمان ميزانية الدولة من جزء من مواردها.
فالقانون التنظيمي رقم 13-130 لقانون المالية حدد في مادته 11 موارد الدولة في :
– الضرائب والرسوم ؛
– حصيلة الغرامات ؛
– الأجور عن الخدمات المقدمة والأتاوى ؛
– أموال المساعدة والهبات والوصايا ؛
– دخول أملاك الدولة ؛
– حصيلة بيع المنقولات والعقارات ؛
– حصيلة الاستغلالات والأتاوى وحصص الأرباح وكذلك الموارد والمساهمات المالية المتأتية من المؤسسات العمومية والمقاولات العمومية ؛
– المبالغ المرجعة من القروض والتسبيقات والفوائد المترتبة عليها ؛
– حصيلة الاقتراضات ؛
– الحصائل المختلفة.
حصيلة الغرامات مثلها مثل باقي الموارد المالية للمملكة المغربية تلعب دورا كبيرا في تغطية نفقات الدولة وكذا المحافظة على سلامة اقتصادها وتوازنها المالي. وبالتالي تقليصها أو المساهمة في إضعاف قيمتها قد يتولد عنه العجز وأمور أخرى لا تحمد عقباها.
الغرامة المالية مهما كان مبلغها لا ينبغي أبدا الاستهانة بها… خصوصا وأننا في ظرفية اقتصادية حرجة وظروف مجتمعية عصيبة (فقر، جوع، أزمة سكن، بطالة، أمية، هشاشة البنى التحتية…) تجعلنا في حاجة إلى كل سنت قد ينضاف إلى خزائننا وتفرض علينا الاقتراض – والشحاتة – حتى لتلبية حاجياتنا وتغطية نفقاتنا.
كما أنه في حالة تعذر على المخالف للقانون المعني بأدائها تأديتها لخزينة الدولة فمن الممكن التعويض عن قيمتها بعقوبة بديلة من شأنها أن تعود على المجتمع المغربي بالنفع. ومن العقوبات البديلة التي يمكن اقتراحها في هذا الصدد :
– القيام بعمليات نظافة أو تشجير لأماكن وفضاءات عمومية ؛
– إعطاء دروس لمحو الأمية ؛
– إعطاء دروس للدعم والتقوية ؛
– تنظيم تكاوين دراسية لفائدة تلاميذ وطلبة الأحياء الشعبية ؛
– تنظيم تكاوين مهنية لفائدة شغيلة الوظيفة العمومية.
بشكل مختصر، أي عمل آخر من شأنه خدمة مؤسسات الدولة أو الشعب فهو مرحب به… أما الهمجية المسيئة لهوية الدولة المغربية والقرارات اللاشرعية، الغير محسوبة بطريقة عقلانية والمضرة باقتصاد الدولة، فبلدنا الحبيب هو في غنى عنها.
(*) فدوى شوقي : باحثة في الأداء السياسي والمؤسساتي
(*) كمال ازنيدر : كاتب إسلامي وباحث في الأداء السياسي والمؤسساتي