الصحافة _ كندا
حين تبث القناة الثانية مسلسل “الدم المشروك” طوال شهر رمضان، يروج له على أنه عمل درامي مغربي، لكنه في حقيقته دراما مصرية صعيدية خالصة، تمت إعادة تغليفها بلمسة مغربية مصطنعة. من السيناريو إلى الأزياء، ومن التوجه البصري إلى الملصق الرسمي، كل شيء فيه يصرخ بانتمائه إلى الدراما الصعيدية المصرية، مما يطرح إشكالًا جوهريًا حول هوية الإنتاجات الدرامية المغربية ومستوى الإبداع المحلي في هذا المجال.
السيناريو ليس مجرد استلهام، بل هو نص مستورد بالكامل من مصر، كتبته السيناريست المصرية هاجر إسماعيل. لم يكن هذا المسلسل وليد تجربة درامية مغربية متكاملة، بل نتاج عملية استيراد مباشرة، حيث قام القائمون عليه بالسفر إلى مصر والبحث عن سيناريوهات جاهزة، ليعودوا بنص تمت إعادة تدويره ومحاولة “مغربته” عبر لجنة خاصة. إلا أن هذه المحاولة باءت بالفشل، إذ لم ينجح المسلسل في طمس هويته الأصلية، فظل يحمل روح الدراما الصعيدية، ليس فقط في طريقة الحكي، بل حتى في الأجواء العامة والملابس القاتمة واللون الأسود الذي يطغى على الشاشة وكأننا أمام مأتم درامي مصري لا علاقة له بالواقع المغربي.
المعضلة هنا ليست مجرد اختيار عمل أجنبي وتكييفه، بل هي إشكالية أعمق تتعلق بأزمة السيناريو في المغرب. هل أصبحنا عاجزين عن كتابة قصص درامية محلية تعكس هويتنا وثقافتنا؟ هل وصل بنا العجز إلى درجة استيراد ليس فقط الأفكار، بل حتى طريقة التعبير عن المشاعر والحزن؟ الدراما ليست مجرد حكايات تُروى، بل هي تعبير ثقافي عن واقع المجتمع، وحين تصبح هذه الدراما مستوردة، فإننا أمام حالة من الاستلاب الفني الخطير.
“الدم المشروك” هو نموذج واضح لما يمكن تسميته بـ”الدراما المهربة”، التي عبرت الحدود بجواز سفر مصري، لكنها عند وصولها إلى المغرب حاولت تغيير لهجتها في الجمارك لتبدو محلية. المنتج المغربي لم يكن سوى وسيط تجاري في هذه العملية، استورد العمل ثم مرره إلى الجمهور على أنه إنتاج محلي، رغم أن كل تفاصيله تصرخ بهوية أخرى. هذه ليست مجرد أزمة إبداعية، بل هي أزمة هوية فنية، حيث تحولت الصناعة الدرامية في المغرب إلى مجرد مستهلك لما يبدعه الآخرون، مع محاولة يائسة لإعادة تغليفه بملصق مغربي.
في ظل هذا الواقع، تبرز أسئلة ملحة حول مصير الدراما المغربية: هل نحن أمام صناعة درامية حقيقية أم مجرد عملية إعادة تدوير لأعمال أجنبية؟ هل يمكن أن نطمح إلى دراما وطنية تعكس قضايا المجتمع المغربي إذا كنا نعتمد على استيراد الحكايات بدل إنتاجها؟ إن الفن، كما هو معروف، هو مرآة المجتمع، وحين تتحول هذه المرآة إلى نسخة مقلدة، فإننا لا نخسر فقط أصالة الإنتاج، بل نفقد جزءًا من هويتنا الثقافية والفنية.