الصحافة _ كندا
بعد أشهر من الجمود وتوالي التأجيلات، عادت الحكومة إلى فتح ملف إصلاح أنظمة التقاعد في ظرف اجتماعي وسياسي محتقن، معلنة دعوة المركزيات النقابية إلى اجتماع جديد للجنة التقنية يوم 17 دجنبر 2025، في إطار استكمال مخرجات جولة الحوار الاجتماعي لشهر أبريل.
ورغم الطابع الرسمي للدعوة، يسود مناخ من الترقب والشك داخل الأوساط النقابية، وسط معطيات تفيد بأن الحكومة تتجه نحو إعداد تصور جاهز لإصلاح “بارامتري” يركز على سد العجز المالي عبر إجراءات تمس المنخرطين، بما يعيد إلى الأذهان سيناريو إصلاح 2016 الذي مرّ بشكل أحادي.
مصادر نقابية أكدت أن الاتصال المباشر من رئيس الحكومة لتأكيد حضور النقابات في الاجتماع حمل نبرة استعجال غير معتادة، واعتبرته بعض القيادات محاولة لتمرير إصلاح محسوب سلفاً.
وتستحضر النقابات الطريقة التي دُبّر بها مشروع قانون الإضراب حين تم تجاوز مذكراتها، ما يجعلها أكثر حذراً أمام مسار ترى أنه قد يتحول إلى واجهة شكلية دون تفاوض حقيقي.
ورغم أن الحكومة تبدو راغبة في إخراج هذا الورش قبل الانتخابات، تشير تقديرات نقابية وسياسية إلى أن حسمه في الأمد القريب يكاد يكون مستبعداً بالنظر إلى تعقيداته وصعوبة تدبيره سياسياً.
المعطيات المتداولة حالياً تكشف توجهاً حكومياً نحو معالجة العجز المالي على المدى القصير دون الخوض بعمق في الإصلاحات البنيوية المطلوبة.
وتعتبر النقابات أن التركيز على رفع سن التقاعد والزيادة في الاقتطاعات وتغيير طريقة احتساب الحقوق لا يجيب عن مكامن الخلل الحقيقية، وعلى رأسها ضعف الحكامة الاستثمارية للصناديق، التي ظلت تضع احتياطاتها لسنوات لدى صندوق الإيداع والتدبير بعائدات ضعيفة لا تتجاوز 3%.
وتستحضر النقابات كذلك صفقات أثارت الجدل، مثل اقتناء المستشفيات الجامعية بـ 6.5 مليارات درهم، معتبرة أن غياب الرقابة على توظيف الأموال ساهم في تفاقم الاختلالات.
ويكتنف الغموض ملامح النظام الموحد للتقاعد القائم على قطبين، عام وخاص، إذ ترى النقابات أن الدمج الشكلي قد يفاقم الهشاشة بالنظر لاختلاف طبيعة مشاكل كل صندوق. فالنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد يعاني من ضغط مالي كبير بعد إدماج آلاف الأساتذة المتعاقدين، بينما يُسجّل الصندوق المغربي للتقاعد عجزاً تقنياً بلغ 7.4 مليارات درهم سنة 2024، وتوقعات بنفاد احتياطاته في أفق 2031.
أما الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي فيواجه ضغطاً متزايداً نتيجة تيسير شروط الاستفادة من التقاعد، ما يستدعي مراجعة معدلات الاشتراك وسن الإحالة وطرق احتساب الحقوق.
ويبدو الصندوق المهني المغربي للتقاعد في وضع أكثر متانة، إذ حقق فائضاً تقنياً تجاوز 4.3 مليارات درهم واحتياطات فاقت 91 مليار درهم، ما يجعله نموذجاً مرجعياً في الحكامة والفعالية الاستثمارية.
وتتقاطع هذه المخاوف مع تقارير المؤسسات الوطنية المستقلة، التي دعت إلى إصلاح مندمج يوازن بين الاستدامة المالية والعدالة الاجتماعية، ويضمن توحيد قواعد الحكامة وتحديث السياسة الاستثمارية.
غير أن المؤشرات الحالية توحي بأن الحكومة تتحرك داخل دائرة تقنية ضيقة، دون تقديم رؤية شاملة أو ضمانات كافية لحماية الحقوق المكتسبة.
ومع اقتراب اجتماع 17 دجنبر، تتزايد المخاوف من أن يتحول الحوار إلى مجرد تمرين بروتوكولي في غياب جدول أعمال واضح ومقترحات حكومية مكتوبة. وفي ظل غلاء المعيشة وتباطؤ النمو وتراجع الثقة، يُحذّر مراقبون من أن أي إصلاح أحادي قد يشعل من جديد حالة الاحتقان الاجتماعي ويعيد البلاد إلى أجواء التوتر التي سبقت إصلاح 2016، في وقت تحتاج فيه المنظومة برمتها إلى حلول شجاعة وشفافة تُعيد بناء الثقة وتضمن استدامة التقاعد دون تحميل كلفته للفئات النشيطة وحدها.














