بقلم: محمد بوبكري
بعد وفاة قائد أركان الجيش الجزائري الجنرال “القايد صالح”، حل صدفة محله الجنرال “سعيد شنقريحة ” الذي تم تعيينه مكانه قائدا للأركان بالنيابة، ما يعني أنه لم يتم تعيينه قائدا للأركان، لحسابات وتوازنات بين أجنحة الجنرالات المتصارعة. ونظرا للتركة الثقيلة للجنرال “القايد صالح” الذي التزم مع حراك 2019 بالقيام بتغييرات سياسية فعلية، دون أن يفي بالتزاماته، فإن الشارع الجزائري اقتنع بأن هذا الجنرال قد تحايل على الجزائريين بهدف سرقة “ثورتهم” منهم. ونتيجة ذلك، أصيب “شنقريحة” بالضعف والجمود، لأنه وجد نفسه عاجزا عن التعامل مع هذه الوضعية. لذلك فكر في تقوية نفوذه السياسي عبر تعزيز موقعه العسكري والأمني، لأنه يعي أن الأمين العام لوزارة الدفاع الوطني له صلاحيات أوسع من صلاحياته، ولذا عمل على عودة الجنرال “خالد نزار” إلى الجزائر، التي شكلت إهانة للجزائريين وللقضاء الجزائري، لأن “سعيد شنقريحة” اتخذ هذا القرار بمفرده خارج الإطار المؤسسي الذي يمتلك صلاحية ذلك، ما جعل الشعب يرى أن العسكر قد وضعوا أنفسهم فوق القانون، كما أطلق هذا الرجل سراح الجنرال “توفيق محمد مدين”، وألغى القضايا التي توبع بسبها هو وصديقه “خالد نزار”. ويفسر المختصون بأن ذلك تم بضغط من جهات خارجية، لاحظت أن “شنقريحة” وجماعته يعانون من عجز عن تدبير المرحلة العصيبة التي تمر منها الجزائر، فتدخلت هذه الجهات لتوفير الدعم لحكام الجزائر عبر عودة الجنرال خالد نزار وإطلاق سراح الجنرال توفيق، حيث أصبحا يشكلان العلبة السوداء لنظام “شنقريحة”. هكذا، فقد انخرط هذان الجنرالان المتقاعدان في العمل إلى جانب الحكام الحاليين للجزائر، فدفعا “شنقريحة ” إلى إعادة هيكلة المنظومة الحاكمة وأجهزتها التنفيذية.
وإذا كان وازع خالد نزار وتوفيق هو تصفية تركة الجنرال “القايد صالح”، الذي حكم عليهما وعلى أفراد عصابتهما بالسجن، كما قام بإبعاد أتباعهما من مواقع السلطة، ففي هذا الإطار تأتي محاولة إبعاد الجنرال “بن علي بن علي” عبر إحالته على التقاعد لأنه يشكل امتدادا عسكريا للجنرال “القايد صالح”، كما أن العلبة السوداء للحكام الحاليين للجزائر قامت باستعمال “تبون” لتعيين الجنرال “محمد صالح بنبيشة” أمينًا عاما لوزارة الدفاع الوطني، حيث أشرف على تنصيبه “شنقريحة” مع أنه تابع له إداريا وسياسيا، ما اعتبره البعض خرقا للمسطرة المعمول بها في هذا المجال. ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل قام بتعيين الجنرال المتقاعد “عبد العزيز مجاهد” مستشارا لـ “تبون” في الشؤون العسكرية والأمنية، كما قام بتعيينات جديدة في سلك الشرطة لتعزيز أدواتها التنفيذية…
وتدخل في هذا الإطار رغبة أفراد العلبة السوداء للنظام الجزائري في التخلص من الجنرال “بن علي بن علي” الذي هو الأكبر سنا وصاحب أعلى مرتبة في الجيش الجزائري، كما أنه كان عضوا في جيش التحرير الجزائري، ولم يسبق له أن تورط في ممارسة العنف ضد الشعب الجزائري، لأنه كان دوما بعيدا عن العلبة السوداء للنظام الجزائري. إضافة إلى ذلك، لقد كان في إمكانه أن يكون رئيسا للأركان مكان “القايد صالح”، لكنه رفض ذلك المقترح في سنة 2019، لأنه كان يعي أنه كلما اشتد ضغط الحراك على العسكر لجأوا إلى الفتك ببعضهم البعض، ففضل الابتعاد عن تلك العملية، لأنه كان يرفض الانخراط في مثل هذه الأمور.
لذلك، تكمن مشكلة الجنرال “بن علي بن علي” مع العلبة السوداء للنظام الجزائري في كونه يشكل عقدة للعصابة الحاكمة، لأنه كان عضوا في جيش التحرير الذي كافح من أجل استقلال الجزائر، كما أنه لم يسبق له أن تورط في تعنيف الشارع الجزائري… ويؤكد ملاحظون جزائريون أن هذا الجنرال كان دوما بعيدا عن الصراعات بين الشعب الجزائري والسلطة، حيث كان ملحقا عسكريا بالسفارة الجزائرية في مصر خلال فترة “العشرية السوداء”. وبعد عودته، تم تعيينه قائدا للمنطقة السادسة، ثم الخامسة. تبعا لذلك، يدل مساره على أنه كان مسارا مهنيا محضا جعله بعيدا عن التدخل في الشؤون السياسية. ونظرا لعلاقته الوطيدة مع “القايد صالح”، فقد كان له تأثير كبير في محاربة الفساد والفاسدين، ما جعل جنرالات الفساد المهيمنين على العلبة السوداء للنظام الجزائري يرغبون في إبعاده، لأنهم يعرفون أنه يعرف جيدا خفاياهم وخيانتهم لأن أغلبيتهم كانت منخرطة في صفوف جيش الاستعمار، وما تزال مرتبطة بفرنسا إلى يومنا هذا، حيث لا تتوقف عن خدمة مصالحها في الجزائر، مقابل ضمان حمايتها لهم… كما أنه يمتلك ملفات فسادهم، وما مارسوه من عنف ضد الشعب الجزائري وتقتيل لرجاله ونسائه وشبابه وأطفاله…
وبعد خروج الجنرال “توفيق” وعودة الجنرال “خالد نزار ” إلى الجزائر، كانت هناك اجتماعات مستمرة ثلاثية بين هذين الجنرالين و”شنقريحة” تنعقد بإقامة توفيق للتداول في قضايا الجزائر واتخاذ ما يرغبون فيه من قرارات. لكن الجنرال ” بن علي بن علي” لم يكن يحضر هذه الاجتماعات، لأن منظميها يعتبرونه عدوا لهم، حيث يعتقدون أنه لن يسايرهم…
وما دام حكام الجزائر في صراع مع الحراك، فإن وجود ” بن علي بن علي” يشكل عائقا في وجه مخططاتهم لكونه لا يتردد توجيه النقد اللاذع في محيطه لفسادهم ولما مارسوه وما يزالون يمارسونه من عنف ضد الشارع الجزائري؛ فهو لا يخفي على محيطه أنه مع مطالب الحراك الشعبي، ما جعل حكام الجزائر يخافون منه ويعادونه إلى درجة أنهم يعملون على إحالته على التقاعد بغية إبعاده. لذلك، فإن “خالد نزار” و”توفيق” و”شنقريحة” يعون جيدا أنه إذا احتد الصراع بين الجيش والحراك، فإن الجنرال “بن علي بن علي” سيصطف إلى جانب الشارع، وسيناهض كل أساليب القمع التي يخططون للجوء إليها، وهذا ما يفسر رغبتهم في إقالته. كما أنه لا يمكنهم تعليل إقالته بكبر سنه، لأنهم هم ذواتهم شيوخ. والدليل على أنهم لا يعيرون للسن اهتماما كونهم نصبوا رئيسا لمجلس الأمة الجزائري شيخا يبلغ من العمر 91 سنة؟!
نتيجة كل ذلك، فإن رموز الحراك الشعبي الجزائري يتمسكون باستمرار الحراك، الذي تأكد في الجمعة 109 أن قوته تزداد يوما بعد يوم، وستتضاعف مستقبلا، ما يستوجب الحفاظ على وحدة صف هذا الحراك؛ فالخصوم يسعون إلى تفتيته، حيث يوظفون وسائل إعلامهم وعملائهم لزرع مختلف النعرات في صفوفه لإضعافه. وانطلاقا من مختلف خطابات رموز الحراك، يبدو لي أنهم على وعي بكل ذلك، وبكل ما يوظف من وسائل وخطابات ضده. فالمشروع الديمقراطي للحراك قائم على المواطنة، ما يعني أن الجزائريين سواسية لا فرق بينهم. وهذا ما يقتضي أولا بناء مؤسسات تحمي كل الجزائريين وتصون حقوقهم السياسية والدينية واللغوية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية… وهذا ما يستوجب وحدة الصف، إذ بدونها لا يمكن أن تكون هناك مأسسة. وتقتضي هذه الأخيرة تغيير النظام العسكري.