بقلم: محمد بوبكري
لقد أنجزت دولة أوروبية كبيرة تقريرا استخباريا حول تطور الأوضاع السياسية في الجزائر، مفاده أن الرئيس الفرنسي غاضب من “عبد المجيد تبون” لأنه ضعيف وغير مقنع، حيث. تحول تفاهته دون قدرته على فرض نفسه على الجنرالات؛ فهو لا يرقى إلى مستوى “عبد العزيز بوتفليقة”، الذي رغم أن الجنرالات هم الذين وضعوه على رأس الدولة، فقد استطاع هذا الأخير خلق هامش له يمكنه من التحرك، كما أنه كان يتواصل جيدا مع الفرنسيين وغيرهم من المسؤولين الأوروبيين. وهذا ما جعل الفرنسيين يائسين من “تبون”، حيث إنهم صاروا لا يعتبرونه محاورا ملائما، خصوصا أن لهم مصالح إستراتيجية في الجزائر، كما أن المسؤولين الفرنسيين قد اقتنعوا بأنه في غياب مؤسسات ديمقراطية فعلية في الجزائر، فإن الحوار أصبح مستعصيا، لأن “عبد المجيد تبون” لا يقرر في أي شيء، لأن مركز القرار ليس في يده، بل إنه يوجد في يد العسكر، الأمر الذي صار متعبا بالنسبة . للمسؤولين الفرنسيين والأوروبيين معا. ولقد استنتج واضعو هذا التقرير الاستخباري أن رحيل “تبون”أصبح وشيكا. وقد يتم تعويضه بشخص آخر. ويرجح بعض الخبراء في الشأن العام الجزائري أنه من المحتمل أنه لن يتم تعويضه بشخصية مدنية، وإنما بشخصية عسكرية. هكذا، فقد صار أكيدًا أن إقالة “تبون” قد أصبحت جد محتملة، حيث إنها ستتم في المستقبل القريب.
كما تطرق هذا التقرير الاستخباري إلى وجود صراعات بين مختلف أجنحة جنرالات الجزائر، حيث بدأت تستيقظ الخلايا النائمة، التي كانت مرتبطة بالجنرال ” القايد صالح”، الذي تأكد لاحقا أنه تم اغتياله من قبل الجناح العسكري الحاكم اليوم في الجزائر.وبعد رحيل هذا الجنرال، قام الجنرال “سعيد شنقريحة” بإبعاد رجاله واعتقال بعضهم، واغتيال بعضهم الآخر، كما تمكن بعضهم من الهروب إلى الخارج، حيث أصدروا مؤخرا كتابا مشفوعا بالوثائق يفضح التاريخ الإرهابي للجنرالات، تحت عنوان “ربيع الإرهاب في الجزائر”. وهذا مؤشر على أن أنصار “الجنرال القايد صالح” قد أصبحوا يتحركون من أجل التصدي للعصابة المتحكمة في جزائر اليوم، والانتقام منها. وهذا ما يجسد طبيعة الأنظمة العسكرية ومآلها، حيث إن الجنرالات لا يفكرون، ولا يقدرون على ذلك، ولا يقبلون به، ما جعلهم يرفضون الحوار، ولا يعرفون إلا لغة الأوامر، ويطلبون من الآخر طاعتهم والانصياع إليهم، والتبعية لهم، ما جعلهم يتقنون لغة القتل والتصفية… وهذا ما يحدث في جزائر اليوم، لأن الجنرالات يرفضون إقامة مؤسسات فعلية، لأنها تقتضي الحوار والتفاوض، الأمر الذي لا يقبل به الجنرالات، ما جعلهم يتآمرون على بعضهم البعض ولعا بالسلطة، كما انهم يرفضون الإنصات إلى صوت الشعب.وهذا هو سبب ما تعيشه الجزائر اليوم من مشكلات. لذلك، طالب الحراك الشعبي السلمي ببناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة…
وللتدليل على صحة مضمون هذا التقرير الاستخباري حول الصراع القائم بين مختلف أجنحة الجنرالات في الجزائر، يكفي أن أقدم دليلا آخر على ذلك، حيث إنه لما انعقد أخيرا اجتماع قيادة أركان الجيش لمناقشة قضايا سياسية، حيث تطرق هذا الاجتماع إلى صراع دولة الجنرالات مع كل من م الحراك الشعبي السلمي ومنطقة “القبايل”والمغرب، فتجرأ بعض الجنرالات على التحفظ على قرارات السلطة تجاه الحراك الشعبي وأهالي “القبايل” والمغرب، كما أن بعض هؤلاء الجنرالات المعترضين على سياسة “شنقريحة”يدركون أنها من صنع كل من “خالد نزار ” و”توفيق محمد مدين”.ولما سمع” شنقريحة”اعتراضات وتحفظات هؤلاء الجنرالات على سياسته، غادر قاعة الاجتماع وحيدا، وهو يشتم ويلعن، ما يؤكد أن تلك التحفظات والاعتراضات هي التي أغضبته، حيث اكتشف أن “الجنرال القايد صالح” قد نهض من قبره، وهو يستعد للانتقام منه ومن “خالد نزار ” و “توفيق محمد مدين” وأفراد عصابتهم، الذين عادوا إلى السلطة بعد اغتياله..هكذا، فقد صار محتملا أن تعرف الجزائر قريبا حربا أهلية جديدة، لن تبلغ حجم حرب العشرية السوداء” في تسعينيات القرن الماضي، لكنها ستكون حربا أهلية يطبعها تطاحن كبًير بين اجنحة الجنرالات المتصارعة على السلطة في الجزائر.
خلاصة القول إن الأحوال في الجزائر تعيش مخاضا كبيرا، يمكن أن يؤدي إلى رحيل الطغمة العسكرية المتحكمة في الجزائر، والتي صار العالم أن يدرك أن استمرارها في السلطة سيفضي إلى انهيار الكيان الجزائري.. إننا في المغرب نحب الشعب الجزائري الشقيق، ونتمنى له التمكن من بناء دولة مدنية ديمقراطية، ما يضمن له الاستقرار والنماء والازدهار…