الصحافة _ كندا
قرر الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالرباط فتح بحث قضائي في ما بات يعرف إعلامياً بـ”قضية طحن الورق مع الدقيق”، وذلك عقب التصريحات المثيرة التي أدلى بها أحمد التويزي، رئيس فريق الأصالة والمعاصرة بمجلس النواب، خلال مناقشة مشروع قانون المالية لسنة 2026، والتي قال فيها إن “بعض شركات الدقيق تطحن الورق مع الدقيق”، قبل أن يوضح لاحقاً أن المقصود من عبارته مجازي.
وفي أول تعليق له على القرار، عبّر التويزي في تصريح صحفي عن ترحيبه الكامل بفتح التحقيق، معتبراً أن “تحرك النيابة العامة خطوة إيجابية في اتجاه كشف أي اختلالات محتملة في قطاع المطاحن”، مشدداً على أن “التحقيق ليس موجهاً ضده شخصياً، بل يروم التحقق من شبهات فساد أثارتها المداخلة البرلمانية”.
وأوضح البرلماني أن “دعوتَه إلى التحقيق كانت منذ اليوم الأول”، مذكّراً بأنه طالب خلال الجلسة البرلمانية نفسها بفتح تحقيق شامل حول الدعم العمومي الموجه للقمح والدقيق المدعم، بهدف ضمان العدالة في توزيعه وحماية المال العام من أي تلاعب محتمل.
النيابة العامة، من جانبها، تحركت بشكل سريع، في وقت يتواصل فيه الجدل الواسع داخل الرأي العام حول مضمون تصريحات التويزي التي أثارت ردود فعل متباينة، بين من اعتبرها “إشارة إلى فساد بنيوي في منظومة الدعم”، ومن رآها “اتهاماً خطيراً لقطاع حيوي يمس الأمن الغذائي للمغاربة”.
وبعد انتشار تصريحات التويزي على نطاق واسع، خرج المعني نفسه ببيان توضيحي أكد فيه أن عبارة “طحن الورق” كانت مجازية، مشيراً إلى أن المقصود منها هو “التلاعب في الوثائق أو الفواتير المقدمة إلى المصالح المختصة بغرض الحصول على الدعم العمومي”، نافياً أن يكون المقصود “مزج مواد غير صالحة بالدقيق”، ومعتبراً أن “الحديث عن طحن الورق بالمعنى الحرفي لا يستقيم لا اقتصادياً ولا منطقياً”.
وفي خضم الجدل، أصدر المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية (أونسا) بلاغاً أكد فيه أن مصالحه تقوم بمراقبة منتظمة لجودة الدقيق الموجه إلى الاستهلاك، وأن منح التراخيص الصحية للمطاحن يتم بعد التحقق من احترامها لمعايير السلامة والنظافة والإنتاج.
وأوضح “أونسا” أن المطاحن تخضع لزيارات تفتيشية دورية، مشيراً إلى أنه خلال سنتي 2024 و2025، تم إجراء 212 زيارة تفتيشية ومنح 191 ترخيصاً صحياً، إلى جانب سحب 9 تراخيص وتعليق 4 أخرى لمؤسسات لم تحترم المعايير. وأضاف أن المكتب أخذ خلال نفس الفترة 1.287 عينة من الدقيق عبر مختلف نقاط البيع والمطاحن، مما أسفر عن حجز وإتلاف أكثر من 70 طناً من الدقيق غير المطابق للمعايير، وإحالة ما يقارب 150 ملفاً على الجهات المختصة.
وفي الاتجاه نفسه، شددت الفيدرالية الوطنية للمطاحن في بيان لها على رفضها لما وصفتها بـ”الاتهامات الخطيرة” الموجهة ضد مهنيي القطاع، مؤكدة أن “تصريحات التويزي تسيء إلى قطاع وطني يخضع لمراقبة دورية وصارمة من طرف السلطات المختصة”.
وأكدت الفيدرالية أن “حديث بعض البرلمانيين عن طحن الورق لا يستند إلى أي دليل واقعي أو مهني”، مشيرة إلى أن “المطاحن المغربية تشتغل وفق ضوابط قانونية ومواصفات تقنية مضبوطة”.
وفي الوقت الذي تتواصل فيه ردود الفعل حول الملف، يرى مراقبون أن فتح تحقيق قضائي في الموضوع خطوة هامة لإرساء الشفافية وتحصين منظومة الدعم العمومي من أي شبهة فساد أو تلاعب، خاصة أن قطاع الحبوب والدقيق يستهلك سنوياً اعتمادات مالية ضخمة تفوق 16 مليار درهم.
وبين الجدل السياسي والحسابات الاقتصادية، تبدو قضية “طحن الورق” مرشحة لأن تكون إحدى أكثر الملفات حساسية في نهاية الولاية الحكومية الحالية، وسط ترقب كبير لما ستكشفه التحقيقات القضائية من معطيات حول واقع صناعة الدقيق والدعم العمومي بالمغرب.













