الصحافة _ كندا
في خطوة دبلوماسية لافتة تحمل أكثر من دلالة سياسية واستراتيجية، استقبل صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، اليوم الاثنين بالقصر الملكي بالرباط، وزراء الشؤون الخارجية لكل من بوركينا فاسو، ومالي، والنيجر، الدول المؤسسة لتحالف دول الساحل. هذا الاستقبال الملكي، الذي جرى في سياق إقليمي متوتر وتحولات جيواستراتيجية عميقة، يؤكد مجددا الدور المركزي للمغرب كفاعل موثوق في تعزيز الاستقرار والتكامل الإقليمي بالقارة الإفريقية.
الرسائل الدبلوماسية لهذا اللقاء واضحة وقوية. أولها أن المغرب يرسخ موقعه كشريك استراتيجي لدول الساحل، ليس فقط عبر الدعم السياسي والمبادرات التنموية، بل من خلال طرح رؤية جيواستراتيجية بعيدة المدى، تتجسد خصوصا في مبادرة جلالة الملك لتمكين دول الساحل من الوصول إلى المحيط الأطلسي، في مشروع تاريخي يعيد رسم خرائط النفوذ الاقتصادي واللوجستي بالمنطقة.
في الوقت الذي تعرف فيه منطقة الساحل توترات أمنية وسياسية مزمنة، وانسحاب قوى دولية تقليدية، يضع المغرب نفسه كجسر عبور للتنمية والاستقرار، مؤمنا بأن الحلول الإفريقية يجب أن تأتي من داخل القارة وبقيادتها الذاتية، بعيدًا عن الإملاءات الخارجية.
إشادة وزراء خارجية التحالف بالمبادرة الملكية ومواقفهم الداعمة لتسريع تنفيذها ليست مجرد مجاملة دبلوماسية. إنها إعلان عملي عن انخراط دول الساحل في توجه استراتيجي جديد، تكون فيه الرباط بوابة عبور إلى الأسواق العالمية عبر الأطلسي، ومركز ثقل إقليمي لا غنى عنه لمستقبل المنطقة.
من زاوية أوسع، يأتي هذا الحراك ضمن مسار طويل اختطه جلالة الملك، منذ سنوات، للارتقاء بعلاقات المغرب مع عمقه الإفريقي من التعاون التقليدي إلى شراكات تنموية ومشاريع استراتيجية عابرة للحدود. وهو ما يترجمه أيضا حرص الدول الثلاث على إطلاع جلالة الملك على تطور البناء المؤسساتي لتحالف دول الساحل، الذي بدأ يتبلور ككتلة إقليمية جديدة، قد تعيد التوازنات بالمنطقة، في ظل تراجع أدوار المنظومات التقليدية كـ”مجموعة الساحل الخمس” المنهارة.
التحليل العميق لهذا الحدث يؤكد أن المغرب لا يراهن فقط على العلاقات الثنائية، بل يتحرك وفق هندسة إقليمية متكاملة تقوم على الاندماج الاقتصادي، والربط اللوجستي، والتنمية المشتركة، وهو ما يجعل المبادرة الأطلسية الملكية مشروعا استراتيجيا بامتياز، قد يغير وجه الساحل الإفريقي خلال العقود القادمة.
لقد اختار المغرب أن يكون صانعا للتحالفات المستقبلية بالقارة السمراء، لا مجرد متفرج على صراعاتها. ومن خلال هذا الاستقبال الملكي، يبعث برسالة قوية إلى المجتمع الدولي: إفريقيا لم تعد ساحة للتجاذبات الخارجية، بل فضاء لصناعة مصيرها بيد أبنائها، وبرؤية قادتها الحكماء.