الاستخبارات المغربية في مواجهة التهديدات الهجينة.. نموذج سيادي في زمن اللايقين الأمني

17 أغسطس 2025
الاستخبارات المغربية في مواجهة التهديدات الهجينة.. نموذج سيادي في زمن اللايقين الأمني

الصحافة _ كندا
في سياق عالمي يتسم بتعقّد التهديدات وتحوّلها من أنماط تقليدية إلى أنماط هجينة، تبرز المنظومة الاستخباراتية المغربية كنموذج إقليمي متقدّم في إدارة المخاطر والتحديات الأمنية. التقرير الصادر عن معهد “روك” للأبحاث الاستراتيجية، تحت عنوان “الاستخبارات في المغرب: التطور القانوني، التحولات الاستراتيجية، ورهانات السيادة في عصر التهديدات الهجينة”، ليس مجرّد إشادة تقنية، بل هو قراءة دولية تؤكد عمق التراكم المغربي في مجال حساس يتقاطع مع السيادة والديمقراطية والفعالية المؤسساتية.

فالمملكة المغربية، ومنذ تفجيرات الدار البيضاء في 2003، دخلت مرحلة إعادة تشكيل جذرية لنسقها الأمني والاستخباراتي، انتقلت فيه من مقاربة تقليدية إلى رؤية أمنية شاملة، تقوم على ثلاثة أبعاد مركزية: الاستباق، التخصص، والتأطير القانوني. ولم يكن هذا التحول مجرد استجابة ظرفية، بل تأسس على وعي استراتيجي بضرورة بناء “سيادة أمنية” قادرة على تحصين الداخل ومواجهة التهديدات العابرة للحدود.

التقرير يُقر بأن الأجهزة الاستخباراتية المغربية، ومنها DGED وDGST، انتقلت من الاشتغال في فضاءات محدودة إلى الانخراط في منظومة إقليمية ودولية متكاملة، مدعومة بمرجعية سيادية صارمة يشرف عليها القائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية، صاحب الجلالة الملك محمد السادس، ضمن هندسة أمنية تستوعب التعدد، وتضمن التنسيق، وتُراهن على المهنية.

يؤكد التقرير، ويُصادق عليه التحليل الأكاديمي، أن المغرب تحرك بثبات نحو إدماج الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات الضخمة، في مقاربة استخباراتية هجينة، تستبطن التهديدات الجديدة من قبيل الهجمات السيبرانية، الإرهاب المعلوماتي، والمقاتلين العائدين. وهذا يعني أننا لم نعد أمام أمن كلاسيكي، بل أمام استخبارات سيادية رقمية، تتفاعل مع بيئة دولية متحولة، دون التفريط في مركزية الإنسان كفاعل جوهري في إنتاج المعلومة وتحليلها واستثمارها.

إن ما يُميز النموذج المغربي، هو قدرته على إعادة تعريف العلاقة بين الدولة والمجتمع في الحقل الأمني، من خلال الانفتاح على أدوات التواصل المجتمعي، وبرامج التوعية، وإشراك المواطنين في رصد المؤشرات الأولية للمخاطر، دون أن يسقط في فخ عسكرة الحياة اليومية. إنها مقاربة مدنية-أمنية، تُزاوج بين الفعالية الحقوقية واليقظة السيادية.

لقد كانت مراجعة الإطار القانوني للمؤسسات الاستخباراتية، خاصة بعد دستور 2011، خطوة فارقة في مأسسة العمل الأمني، ضمن بيئة منضبطة لحقوق الأفراد ومقتضيات العدالة. وهنا، لا بد من التأكيد على أن المغرب اختار “أمن القانون” بدل “قانون الأمن”، أي أن الفعالية الاستخباراتية لا تتحقق على حساب الحريات، بل في ظل مرجعية واضحة، وسلطات إشراف قضائية، وهو ما يمنح المنظومة الأمنية المغربية نوعًا من الشرعية المتعددة: شرعية الفعالية، وشرعية القبول، وشرعية القانون.

مخاطر التهديدات المستقبلية: السيادة الرقمية أولًا

تُدرك النخبة الاستراتيجية في المغرب، كما أشار التقرير، أن الحرب القادمة ليست فقط صواريخ وطائرات مسيرة، بل هي بيانات، وأكواد، ومعلومات تُصاغ في مختبرات دولية لا ترى في الجنوب سوى مسرحًا لتجريب أدوات السيطرة الناعمة. ومن ثمة، فإن استثمار المغرب في تأمين الفضاء السيبراني، وتطوير بنياته التقنية والاستخباراتية، ليس خيارًا سياديًا فقط، بل هو شرط لبقاء الدولة في زمن السيادة المُفرغة من مضامينها الكلاسيكية.

خلاصة القول، إن النموذج الاستخباراتي المغربي، كما وصفه تقرير “روك”، هو نتاج تفاعل ذكي بين الشرعية التاريخية للدولة المغربية، والتحديات الأمنية الحديثة، وقدرة المؤسسات على التحديث دون صخب، والاشتغال في الظل ضمن رؤية تدمج الاستباق بالاستشراف.

لكن المطلوب اليوم، ليس فقط تثمين هذه المنجزات، بل تطويرها عبر توسيع القاعدة البشرية المتخصصة، ورقمنة البنيات التحليلية، وتعزيز التكامل مع المجال الأكاديمي، لأن معركة السيادة في القرن 21، لن تُحسم فقط بالسلاح، بل بالمعلومة والقدرة على قراءتها في الزمن الصحيح.

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص المحتوى والإعلانات، وذلك لتوفير ميزات الشبكات الاجتماعية وتحليل الزيارات الواردة إلينا. إضافةً إلى ذلك، فنحن نشارك المعلومات حول استخدامك لموقعنا مع شركائنا من الشبكات الاجتماعية وشركاء الإعلانات وتحليل البيانات الذين يمكنهم إضافة هذه المعلومات إلى معلومات أخرى تقدمها لهم أو معلومات أخرى يحصلون عليها من استخدامك لخدماتهم.

اطّلع على التفاصيل اقرأ أكثر

موافق