بقلم: عبد الحي بنيس*
يشكل محمد الادريسي القيطوني أول أمين عام لمجلس النواب حالة ادارية نادرة وفريدة ليس فقط في حياة المؤسسة التشريعية، ولكن على مستوى الوظيفة العمومية المغربية في الوقت الذى كان قد أسند له الراحل الحسن الثاني سنة 1989مسؤولية البحث في التجارب الدولية المعمول بها في هذا الشأن حتى يتسنى له تمتيع البرلمانين بالتقاعد.
وتعود الحالة الفريدة للسيد القيطوني الذى كان قد التحق بمجلس النواب بعد تعيينه من لدن الراحل الملك الحسن الثاني، الذي شرفه باستقبال خاص على خلاف كل الكتاب العامين الذين عينوا فيما بعد. إلا أن كل هذا لم يشفع لهذا الموظف السامي، أن يستفيد من التقاعد باعتباره حقا من حقوق كل موظف يمنح له في نهاية مساره الاداري.
وكان الملك الحسن الثاني قد عين الادريسي القيطوني في فبراير 1988 أمينا عاما لمجلس النواب بمناسبة استقباله لأعضاء مكتب مجلس النواب برئاسة السيد أحمد عصمان رئيس المجلس آنذاك وخصه بكلمة قال فيها بأن المنصب الذي سيشغله من أهم المناصب مما يتطلب منه أن يعتبر نفسه من جملة الموظفين السامين للمملكة المغربية. وباعتبار البرلمان هو مرآة الأمة التي يجب أن تكون دائما طاهرة نقية غير ملطخة، وأن يكون البرلمان في المستوى اللازم من الناحية الإدارية ومن ناحية الاستقامة وإخلاص موظفيه، داعيا الأمين العام للمجلس العمل على الارتقاء بمستوى أداء البرلمان وتحسين صورته لدى المواطنين.
وعبر الراحل الحسن الثاني في ذات الكلمة عن يقينه من كون الأمين العام الجديد الذى سيؤدى بعد ذلك القسم بين يدي الملك، سيكون في المستوى المطلوب على الرغم من العمل المضني الذى ينتظره.
ومباشرة بعد خطاب افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية 1989-1990 يوم الجمعة 13 أكتوبر 1989 والذى قال فيه الراحل الحسن الثاني “لا بد من أن نجد نظاما للمعاشات للبرلمانيين الذين لا يعاد انتخابهم”، كلف الحسن الثاني، محمد رشيد الإدريسي القيطوني بصفته أول أمين عام لمجلس النواب، بزيارة المؤسسات التشريعية الدولية التي تتوفر على نظام معاشات للبرلمانيين، للاستفادة من تجاربها، لاختيار نموذج صالحا للتطبيق على البرلمانيين المغاربة.
انها بالفعل حالة فريدة جديرة بالدراسة وبأن يسلط عليها الباحثون في القانون الاداري الضوء، وأن يتساءلوا عن هذه الظاهرة الغريبة، خاصة في ظل النقاش الدائر حاليا حول تقاعد البرلمانيين الذي بالرغم من عدم برمجة المقترح الذي تم التوافق عليه في الجلسة العامة، فإن مجلس النواب الحالي صادق على ميزانيته التي ضمنها في السطر 12 من ميزانية 2020، والمتعلق بمساهمة الدولة في تقاعد أعضاء مجلس النواب، بمبلغ 13 مليار 746 مليون سنتم. كما لم تشفع للإدريسي القيطوني الذي غادر المجلس سنة 2004 الادوار الهامة التي اضطلع بها حينما كان سفيرا للمملكة في جمهورية التشيك ما بين سنة 2005 و 2010 والتي تميزت بالخصوص بقيام هذا البلد الواقع بأوروبا الشرقية بمنحه صفة “مواطن الشرف” عربونا واعترافا بالخدمات الجليلة التي قدمها لتطوير علاقات المملكة المغربية مع جمهورية التشيكية التي عبرت سنة 2010 على لسان رئيسة مجلس نوابها السيدة ميروسلافا نيمكوفا ببراغ عن دعم بلادها للمقترح المغربي للحكم الذاتي بالأقاليم الجنوبية معتبرة أن من شأن إيجاد تسوية لقضية الصحراء في إطار الأمم المتحدة، الحفاظ على مصالح أوروبا والمغرب العربي.
وعلى الرغم من أن “ملف تقاعد البرلمانيين له حساسيات خاصة، ولازال مفتوحا والنقاش مستمرا حوله بين مكونات المجلس” حسب ما جاء على لسان رئيس مجلس النواب الحبيب المالكي مؤخرا، إلا أن حالة السيد محمد سعيد الادريسي القيطوني ” الموظف السامي بدون تقاعد” لحد الآن تظل تطرح عدة تساؤلات في بلد الانصاف والمصالحة ودستور 2011.
وتجدر الاشارة ان الادريسي القيطوني الحاصل على دبلوم الدراسات العليا في العلوم السياسية من السوربون اشتغل أستاذا للقانون الدستوري والعلوم السياسية بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالرباط وبالمدرسة الوطنية الإدارية ومكلفا بالدراسات في أكاديمية المملكة وعضوا مؤسسا لكل من الجمعية المغربية للعلوم الإدارية والجمعية المغربية للقانون الدستوري.
*عبد الحي بنيس: رئيس المركز المغربي لحفظ ذاكرة البرلمان