الصحافة _ فوزية لهلال
حين قراتُ كتاب “سيرة أمير مُبْعَد” للأمير هشام العلوي، ابن عم الملك محمَّد السادس، وصديق طفولته وشبابه، قرأتُ أميرا مغربيا مثقفا، يحكي ببساطة وسجيَّة، وقرب من القارئ، بعيدا عن الخطاب النَّمطي المتعجرف، ذو رؤية واضحة هو الرجل الأكاديمي، الكاتب والسياسي، المواطن كما يحب ان يُناَدىَ عليه، إنها الرؤية التي نتطلع اليها كمغاربة أحرار، نحلم بالإصلاح، تحديث الملكية، والقطيعة مع العهود البائدة.
أمير يحلم كما نحنُ بتفكيك قطع غيار المخزن، بكل تقليديته واستبداده، وقبضته المحكمة على الشعب منذ عقود..
نادر هو “أدبُ البَوْح” في مجتمعاتنا، فماذا حين يصدر عن أميرٍ تربَّى داخل قصورٍ ظلَّت دائما كقصور الف ليلة وليلة، منفصلة عن عالمنا، مملكة اخرى خلف الأسوار…مغربٌ آخر..
لم أَرَ صورة الأمير الذي سعت الأجهزة المخزنيَّة وصحافتها إلى تسويقها طيلة سنوات، “الأمير الأحمر “…”الخطر على العرش “،وعلى امن المغرب وامانه، عدوُّ الملكية،المُزَعْزِعْ للاستقرار.. نفس التهم المخزنية الجاهزة، ليلبسها المعارضون، لا تجديد ولا إبداع…الخيانة العظمى للحكم المطلق!
قراتُ شخصا متوازنا، مثقَّفا.. ذو حجَّة.. ملكي بطريقته، لن تملك الَّا أن تحترمه ومواقفه..
انَّه النَّغمة النَّشاز في سمفونية المخزن…الرديئة.
الصَّوتُ المتَّسق مع مطالب الشَّعب..
صوت الشارع.. والكتلة الصامتة..
الرافض للتهميش، واحتكار السلطة، والصوت الواحد.
خطاب هشام العلوي ليس جديدا..انَّه نفس خطاب المهدي بن بركة في “وثيقة الاختيار الثَّوري ” سنة 1962،وهي الوثيقة الَّتي تنادي بملكية دستورية، حيث الشعب يمارس كل سلطاته غير منقوصة، عبر حكومة تنبثق منه.
المهدي المختطف، الدَّمُ المغدور الَّذي سكن الذَّاكرة المغربيَّة..
الشَّبح الذي تطارد لعنته كل الصامتين…المتآمرين..
ماذا يكون خطاب مولاي هشام، غير ترجمة لمطالبنا، بنظام ديموقراطي، ومغرب غير ممخزن، في بلد فتحنا اعيننا فيه واباءنا على ديموقراطية منبوذة، توصد دونها الأبواب العاتية للمخزن، تطاردها السِّياط والهراوات، شريدة الدروب،المحظورة من التجول الا في عقولنا نحن الحالمين بالتغيير، بالقطيعة مع المخزن..وبالمواطنة الكاملة.
نحن المتطلِّعين ابدا إلى القطع مع خطاب الرعية… والراعي..
القطع مع خطاب :”أنا السيد الذي يعود إليه كلُّ شيء..المخزن يمنح، والمخزن يستردُّ ما منح ” والجملة للإشارة هي للحسن الثاني رحمه الله.
تطلعات الأمير هشام العلوي عبر صفحات سيرته هي تطلعاتنا، إنه يتحدث عن العلاقة المحرمة بين السلطة السياسية والسلطة الاقتصادية، لأن احتكار السلطة السياسية بهذا الشكل في المغرب هو احتكار للسلطة الاقتصادية، حتى لو صدَّروا لنا ارقاما لنمو اقتصادي، فهي ليست موزعة بشكل عادل، لأنها بكل بساطة تصب في جيوب النخبة المتحكمة في دواليب الحكم والاقتصاد..واما المواطن البسيط فيبقى مُفَقَّراً..
إنه النمو الذي يقصي اولاد الشعب، ولا ينتفع منه غير النظام..
هذا هو خطاب مولاي هشام، وخطاب بن بركة، والعديد من الوجوه المخلصة، التوَّاقة لإرساء أسس الديموقراطية في هذا البلد. إنه الخطاب المثقف الذي يبني، بعيدا عن التملق، لرجل يطرح البديل، ويضيف الى المؤسسة الملكية.
يقول هشام العلوي في كتابه «سيرة أمير مبعد:
حين تولى محمد السادس مقاليد الحكم سنة 1999,صارحته متمنيا أن يسمح للمغاربة أن يباشروا مسيرة التحول من رعايا إلى مواطنين، وأن يتخلى النظام عن شيء من سلطويته، وأن يُفَرَّغَ المخزن من محتوياته. وكَرَدِّ فعلٍ على كلامه هذا، مُنِع الأمير من دخول القصر الملكي، وغُيِّبَ من الصورة الرسمية.
إن عودة الأمير مولاي هشام لتزيين الساحة السياسية المغربية، هو احتواء صوت مخلص اُبْعِدَ طويلا عن المشهد، لأمير مختلف، مطالبه هي مطالب أغلبية المغاربة.
نعم لملكية دستورية
لا للمخزن