الصحافة _ بقلم: منصف الادريسي
لم يكن بيان الأغلبية الحكومية الصادر يوم 30 يناير 2025 مجرد إعلان عادي عن التوجهات العامة للحكومة، بل كان صفعة سياسية مدوية لوزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة ليلى بنعلي، وإعلانا صريحا عن تبرؤ الأغلبية الحكومية من تخبطها في ملف الهيدروجين الأخضر، وهو المشروع الملكي الذي يشكل ركيزة استراتيجية للأمن الطاقي المغربي.
إن بيان الأغلبية الحكومية لم يكن ليصدر بهذا الشكل الحاسم لولا الفضيحة السياسية التي فجرتها الوزيرة ليلى بنعلي خلال مداخلتها في البرلمان يوم 22 يناير 2025، والتي شككت فيها بشكل صريح في استمرارية مشروع الهيدروجين الأخضر، متجاهلة تماما التوجيهات الملكية السامية التي حسمت في هذا الورش منذ 2022.
الوزيرة، وبدل أن تؤكد التزام الحكومة بتنفيذ رؤية الملك محمد السادس، خرجت بتصريح صادم وغير مسؤول، قالت فيه أن “عرض المغرب في مجال الهيدروجين الأخضر قد يتوقف إذا لم يكن تنافسيًا بحلول 2030”. وكأن المشروع ليس جزءا من استراتيجية وطنية حدد معالمها أعلى سلطة في البلاد، وكأن المغرب لم يقرر بوضوح أن يكون رائدا عالميا في هذا المجال! هذا التصريح، الذي عكس جهلا فادحا أو تواطؤا مع أجندات خفية لا تريد للمغرب أن يحقق استقلاله الطاقي، لم يمر مرور الكرام.
كما أن المجلس الأعلى للحسابات، من جهته، لم يكن أقل قسوة في تقييمه لأداء ليلى بنعلي، حيث كشف في تقريره الأخير عن اختلالات عميقة في الاستراتيجية الطاقية الوطنية 2009-2030، وتعثرات كارثية في جميع القطاعات المرتبطة بالطاقة، من الطاقات المتجددة إلى المخزون الاستراتيجي والنجاعة الطاقية. وهو التقرير الذي لم يكن مجرد تحليل رقابي، بل كان بمثابة إدانة رسمية لسوء تدبير الوزارة، وتأكيد على أن الفشل في القطاع الطاقي ليس مجرد أزمة ظرفية، بل نتيجة مباشرة لسوء التخطيط وانعدام الكفاءة على أعلى مستوى في الوزارة.
وبعد هذا الفشل الذي وثقته تقارير “مجلس العدوي”، وبعد التصريح الكارثي الذي أطلقته الوزيرة ليلى بنعلي تحت قبة البرلمان، لم يكن أمام هيئة رئاسة الأغلبية سوى اتخاذ موقف صارم وواضح، حيث جاء بيانها ليؤكد أن الحكومة ماضية في تنفيذ الأوراش الاستراتيجية الكبرى، وعلى رأسها مشروع الهيدروجين الأخضر، كجزء من الأمن الطاقي للمملكة، دون أي ذكر لدور الوزيرة، في إعلان واضح عن فقدان الثقة في قدرتها على تدبير هذا الملف.
إن بيان هيئة رئاسة الأغلبية لم يكن مجرد دعم للمشروع، بل كان إغلاقا للباب أمام وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة ليلى بنعلي وإعلانا رسميا عن أن هذا الملف لم يعد في يدها. فحينما تعلن الأغلبية الحكومية التزامها الصارم بتنفيذ المشروع دون أي إشارة إلى الوزيرة، فذلك يعني ببساطة أنها باتت معزولة سياسيا، وأن الحكومة قررت المضي قدما دون انتظارها.
إن التوجيهات الملكية الصادرة في 22 نونبر 2022 كانت واضحة وصارمة: الإسراع بتنفيذ مشاريع الطاقات المتجددة، وعلى رأسها مشروع الهيدروجين الأخضر، كجزء أساسي من استقلالية المغرب الطاقية. لكن الوزيرة ليلى بنعلي، بدل أن تشتغل على تنزيل هذه الرؤية الملكية، اختارت التشكيك فيها، وإطلاق تصريحات عبثية حول توقف المشروع، مما يثير أكثر من علامة استفهام حول نواياها الحقيقية.
فكيف يعقل أن تصدر مثل هذه التصريحات من وزيرة مسؤولة عن تنفيذ رؤية ملكية واضحة؟ لماذا تتحدث عن “التكاليف المائية” و”التنافسية”، وكأنها لم تكن تعلم أن المغرب، بقيادة جلالة الملك، قرر بشكل نهائي خوض هذا التحدي؟ هل نحن أمام مسؤولة تفتقر إلى الفهم الاستراتيجي، أم أن هناك جهات تضغط عليها لإبطاء المشروع وخلق جو من الشكوك حوله؟
لم يكن تقرير المجلس الأعلى للحسابات وحده هو الذي كشف الاختلالات، بل جاءت الأغلبية الحكومية لتنهي الجدل، وتؤكد أن المغرب لن ينتظر الوزيرة لتنفيذ مشروع هو جزء من أمنه الطاقي والسيادي. فمضمون بيانها كان واضحًا، وهو أن هذا المشروع سيمضي قدما رغم أنف الوزيرة، والملف أصبح أكبر منها، والوقت لم يعد يسمح بمزيد من التردد والمماطلة.
ولم يعد السؤال اليوم هو هل فشلت ليلى بنعلي في إدارة ملف الطاقة؟ فالفشل أصبح موثقا، والأغلبية ذاتها اعترفت ضمنيا به عندما اختارت الالتفاف حول المشروع دون ذكر الوزيرة. والسؤال الحقيقي الآن هو: لماذا لا تزال الوزيرة في منصبها رغم كل هذه الفضائح؟ ولماذا لم تتم إقالتها بعد أن ثبت أنها أصبحت عقبة حقيقية أمام تنفيذ مشروع ملكي حيوي؟