الصحافة _ وكالات
ماذا لو انهارت مصر؟ سؤال طرحته ذا إيكونوميست البريطانية في عددها الأخير، رسمت من خلال الإجابة عنه سيناريو قاتم لما قد تؤول إليه الأوضاع في أكبر الدول العربية سكانا.
تقول المجلة “الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أبدى تشاؤما في معرض توقعاته عام 2015 لمستقبل بلاده، حين حذر من أن الملايين من أنصار تنظيم الدولة الإسلامية سيجتاحون العالم إذا ما انهارت مصر”.
وتضيف أن السيسي أراد بتلك المعادلة أن يوحي بوصفة ذات شقين تبرر الحاجة لبقائه في السلطة بانتهاج القمع وسيلة، وبتحذيره المستمر للزعماء الأجانب من مغبة سقوط مصر في أتون الفوضى لو لم يقدموا له الدعم.
وأحدث ذلك الوعيد تأثيرا “مذهلا” فدول الخليج توفر له التمويل خوفا من نظام بديل يقوده الإخوان المسلمون، حسب تقرير المجلة التي تتابع القول إن أميركا تدعم هي الأخرى السيسي لنفس السبب.
أما أوروبا فتغض الطرف عن “الأشياء الفظيعة” التي تحدث في زنازين الشرطة المصرية، لأنها تخشى من احتمال تدفق ملايين المهاجرين إليها عبر البحر الأبيض المتوسط في حال أصبحت مصر دولة فاشلة.
وتخلص ذا إيكونوميست من كل ذلك إلى أن السيسي إنما يخدم مصلحته الذاتية، لكنها تتساءل قائلة “وما الخطأ في ذلك؟”.
ليس مستحيلا
إن “انهيار مصر ليس ضربا من المستحيلات” كما تقول إيكونوميست، صحيح أن مصر ليست مثل لبنان أو العراق الدولتين اللتين تمزقهما النعرات الطائفية، وليست مثل ليبيا أو اليمن اللتين تعصف بهما الحروب الأهلية والانقسامات القبلية.
ومع أن المصريين لديهم أحساس قوي بالانتماء الوطني –برأي المجلة- فإنهم يرزحون تحت وطأة ضغوط كبيرة، ويقودهم نظام عسكري “وحشي وهش في آنٍ معا”.
وتزعم إيكونوميست أن الاستياء يشيع في كل أرجاء البلاد، مشيرة إلى أن الإسلاميين يستشيطون غضبا لأنه أُطيح بهم من السلطة “تحت تهديد السلاح” رغم أنهم جاؤوا بعد أول انتخابات حرة تشهدها البلاد.
وعلى الرغم من زيادة النمو الاقتصادي فإن معدلات البطالة وسط الشباب المصري تظل مرتفعة بشكل يبعث على القلق.
وتعتقد المجلة أن السبب الأرجح في أي “تحلل اجتماعي” يكمن في المياه أو بالأحرى تناقصها، فمصر دولة صحراوية في أغلب أجزائها، وشعبها يكتظ جله على ضفتي نهر النيل، وحكوماتها المتعاقبة تفرض عليهم رسوما على استهلاك المياه.
ومما يزيد الطين بلة أن دول المنبع تنوي سحب مزيد من مياه النهر، فإثيوبيا مستغرقة في بناء سد ضخم لتوليد الكهرباء لانتشال شعبها من الفقر، والسودان يريد أن ينقل مياه النيل لمشاريع الري على أمل أن يصبح “سلة غذاء المنطقة”.
مخاطر متعددة
وتمضي المجلة البريطانية في تقريرها إلى الحديث عن الصراع المحتمل نشوبه بالمنطقة نتيجة موجات الجفاف التي قد تزداد وتيرتها جراء ظاهرة التغير المناخي، مما حدا ببعض الضباط المصريين إلى الإيعاز بأن القاهرة ستذهب إلى الحرب لحماية حقوقها من مياه النيل.
ثم إن مصر تواجه تهديدا كبيرا من الجهاديين في شبه جزيرة سيناء، كما أن جاراتها يعانين من عدم الاستقرار، فليبيا إلى الغرب تمزقها الحرب، والسودان إلى جنوبها “يمور بثورة” شعبية.
ومن التداعيات المحتملة لانهيار الدولة المصرية -حسب توقعات إيكونوميست- اكتظاظ القوارب بلاجئين مصريين يعبرون البحر الأبيض المتوسط، وقد تحاول السفن الإيطالية واليونانية إعادتهم إلى حيث أتوا.
وإذا فقدت الحكومة المصرية السيطرة على الأوضاع، فإن القوى الخارجية ستتدخل للإبقاء على قناة السويس مفتوحة أمام الملاحة الدولية، وستوفر مساحات هائلة من الأراضي المصرية ملاذا آمنا “للقتلة” وسيستخدم المتمردون الليبيون المناطق الحدودية “قاعدة خلفية لهم”.
وتواصل إيكونوميست رسم السيناريو القاتم بالقول إن “الجهاديين” سينتهزون الفرصة لإقامة دولة خلافة “جديدة” على الأراضي المصرية، ثم إن إسرائيل ستجد الأوضاع الناجمة عن ذلك “غير محتملة” فتلجأ إلى قصف أهداف تابعة لتنظيم الدولة في مصر.
وتختم تقريرها المتشائم بالزعم أن إعادة اللحمة إلى سابق عهدها ستكون من الصعوبة بمكان، وقد يستغرق الأمر عقودا من الزمن، وتقترح أن من الأفضل منع انهيار مصر في المقام الأول، مضيفة أن السيسي لن يكون “الرجل المناسب للقيام بهذه المهمة”.