الصحافة _ وكالات
لم تكد العلاقات المغربية الموريتانية تخرج من أزمتها الصامتة، بعد الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، للعاصمة الموريتانية نواكشوط، حتى عادت إلى مربع التوتر مجدداً، إثر التصريحات التي أطلقها الرئيس الموريتاني، محمد ولد الغزواني، يوم الخميس الماضي، بشأن قضية الصحراء. ففي الوقت الذي عبّر فيه بوريطة خلال زيارته الموريتانية في 18 فبراير/شباط الماضي، عن رغبته في “علاقات استثنائية” مع الجارة الجنوبية، شدّد ولد الغزواني على أن السياسة الموريتانية تجاه قضية الصحراء لم تتغير، معتبراً في أول مؤتمر صحافي له منذ انتخابه رئيساً في يونيو/حزيران الماضي، أن “موقف موريتانيا من قضية الصحراء الغربية لم يتغير ولن يتغير، وهو الاعتراف بالجمهورية الصحراوية، لأنه موقف من ثوابت السياسة الخارجية للبلد”.
وأضاف أن “موقفنا ما زال هو نفسه، أي الحياد الذي تبنته موريتانيا، لكنه حياد إيجابي، بحكم العلاقة بمختلف الأطراف، وحساسية الملف، وأهمية الحل بالنسبة إلى الدولة الموريتانية”. مع العلم أن العلاقات المغربية ـ الموريتانية، شهدت طوال العقد الماضي حالة فتور، بسبب تباين المواقف حول قضية الصحراء وارتباطات جبهة البوليساريو الانفصالية.
لم تتأخر المصادر المغربية في الردّ على الموريتانيين، فاعتبرت أن تصريحات القيادة الموريتانية بمحاولة الضغط على الرباط من خلال ورقة الصحراء، هي محاولة للردّ على ما تعتبره “تهميشاً” و”إقصاءً” لها، حين رسم المغرب حدوده البحرية في الأقاليم الجنوبية من دون إطلاعها على الخطوة أو التشاور معها، علماً أنه أجرى مشاورات مع إسبانيا. وأضافت المصادر أن الغضب الموريتاني لا يقتصر على تهميش موريتانيا من قرار ترسيم الحدود البحرية، بل يمتد كذلك إلى رغبة المغرب في دمج السنغال بالمشروع الذي كان قد طرحه على موريتانيا بشأن تصدير الغاز من حقل “السلحفاة الكبير/احميم” المشترك بين داكار ونواكشوط، الذي سيبدأ الإنتاج فعلياً في أواخر عام 2021، إلى أوروبا عبر المغرب.
وقبل زيارة وزير الخارجية المغربي لنواكشوط، كان هناك حديث عن أزمة صامتة بين البلدين، على خلفية التصريحات التي كان قد أدلى بها بوريطة قبل ذلك بأيام في العاصمة الرباط، بحضور وزيرة الخارجية الإسبانية، أرانتشا غونزاليز لايا، والتي أكد من خلالها أن علاقات الجوار التي تجمع بلاده مع إسبانيا أفضل من علاقاته بالجزائر وموريتانيا. وما زاد من الشكوك حول سوء العلاقات بين البلدين، إقدام موريتانيا على منع وزير ثقافتها سيدي محمد ولد الغابر، من السفر إلى المغرب للمشاركة في المعرض الدولي للكتاب بالدار البيضاء، الذي اختتم الأحد الماضي، رغم أن موريتانيا كانت ضيفة الشرف، قبل أن تعود الحكومة الموريتانية وتنفي وجود أي توتر بين البلدين، عقب خطوة المنع.
وبينما لم يصدر أي موقف للدبلوماسية المغربية بخصوص تصريحات ولد الغزواني، اعتبر الباحث في الشؤون الصحراوية، نوفل البعمري، أنه “يتعيّن النظر إلى تصريح الرئيس الموريتاني في شموليته وعدم تجزئته كما فعل إعلام البوليساريو، الذي حاول الترويج للأمر وكأنه تجديد للاعتراف بالكيان الوهمي”. ولفت إلى أن الرئيس الموريتاني أعاد التذكير بموقف بلده من الكيان، وهو موقف ليس بالجديد، بل سبق لموريتانيا أن اتخذته ضمن سياق سياسي في أواخر السبعينيات وبداية الثمانينيات من القرن الماضي، بالتالي “فنحن أمام مجرد تذكير وليس إعادة تجديد الاعتراف”.
وبحسب البعمري، فإن الجديد الذي أرادت أن تغيبه وسائل إعلام جبهة البوليساريو، هو تأكيد ولد الغزواني لحياد بلاده الإيجابي من النزاع، وأن موريتانيا داعمة للأمم المتحدة ومسارها السياسي، ما يعني أنها تتجه تدريجاً إلى الوقوف على مسافة واحدة من كل الأطراف، وهو أمر مهم على الأقل كمرحلة أولى في تطور مواقفها، وخصوصاً من النزاع المفتعل حول الصحراء. وأوضح الباحث المغربي أن العلاقة بين المغرب وموريتانيا علاقات تاريخية يتداخل فيها القبلي والتجاري، كذلك فإنها تبقى قوية ومتينة تراعي المصالح المشتركة رغم مرورها ببعض الأزمات.