الصحافة _ كندا
تواصل شركة النقل عبر التطبيقات “إن درايف” إشعال الجدل في المغرب، بعد أن أطلقت في الأيام الأخيرة حملة إعلانات ممولة على “فيسبوك” تدعو بشكل مباشر السائقين للانضمام إلى منصتها، مع وعود بالانطلاق الفوري في العمل، دون الحاجة لأي ترخيص أو زيارة مكاتب إدارية، مكتفية بإجراءات تسجيل رقمية عبر الهاتف. خطوة تتعارض كلياً مع الموقف الرسمي الذي يصنّف هذا النشاط كـ”نقل سري” خارج الإطار القانوني، ويخضع العاملين به لعقوبات مشددة.
المثير أن هذه الإعلانات تأتي في وقت تؤكد فيه وزارة الداخلية ووزارة النقل في دوريات متكررة أن النقل غير المرخص عبر التطبيقات ممنوع، وأن المخالفين يواجهون حجز سياراتهم لأسابيع، وسحب رخصهم، وفرض غرامات ثقيلة. ورغم ذلك، تشتغل هذه الشركات بمقرات علنية ونشاط مفتوح، وهو ما تعتبره مصادر مهنية “تساهلاً مريباً” يضرب مصداقية القرارات الحكومية ويترك انطباعاً بوجود ازدواجية في التعاطي مع القانون.
ليست هذه المرة الأولى التي يطفو فيها الملف إلى السطح. ففي يونيو الماضي، اتهم سائقون مهنيون هذه المنصات بتقديم “إغراءات تشغيل وهمية” لجذب آلاف الشباب الباحثين عن فرص عمل، دون تحذيرهم من المخاطر القانونية، وهو ما أدى لوقوع حالات حجز سيارات وسحب رخص بشكل واسع. كما حذرت الجمعية المغربية للمقاولين الذاتيين لسائقي السيارات السياحية من استغلال السائقين خارج أي إطار تعاقدي يحفظ حقوقهم، مطالبة بوقف هذه الممارسات فوراً وإلزام الشركات بالحصول على تراخيص قانونية واضحة.
الصراع بين السائقين التقليديين ونظرائهم العاملين عبر التطبيقات بلغ ذروته مطلع العام الجاري في الرباط، حيث شهدت شوارع العاصمة مطاردات علنية بين الطرفين، ما دفع نواباً برلمانيين للمطالبة بتسريع إصدار إطار قانوني ينظم هذا النشاط، الذي بات لاعباً رئيسياً في سوق نقل الأشخاص لكنه يتحرك في فراغ تشريعي خطير.
وفي خضم هذا الوضع، أعادت الجمعية المغربية للمقاولين الذاتيين طرح مقترح واضح: ترخيص السيارات المستعملة عبر التطبيقات وفق دفتر تحملات صارم، وتأسيس فئة قانونية جديدة تحت اسم “سائق خاص مقاول ذاتي”، لضمان شفافية العلاقة بين المنصات والسائقين، وحماية الحقوق، وتفادي الفوضى الحالية.
اليوم، ومع استمرار إعلانات الاستقطاب الرقمية في تجاهل تام للتحذيرات الرسمية، يجد المغرب نفسه أمام معادلة صعبة: إما حسم الملف بتقنين مدروس يدمج هذه المنصات في السوق وفق ضوابط، أو مواجهة تصاعد التوتر بين النقل التقليدي والنقل الرقمي، بما يحمله من تهديد للسلم الاجتماعي ومصداقية القانون.