الصحافة _ كندا
أعاد النقاش حول إعفاء استيراد الأبقار والجمال من الرسوم الجمركية والضريبة على القيمة المضافة، كما ورد في تعديلات الحكومة على مشروع قانون المالية 2026، تسليط الضوء من جديد على الارتباك المزمن في تدبير ملف اللحوم الحمراء، وعلى العجز الواضح في السياسات الحكومية الموجّهة لضبط السوق وضمان أسعار معقولة للمواطنين.
فبينما تبرر الحكومة استمرار الإعفاءات الجمركية بوجود خصاص حاد في القطيع الوطني، تكشف تصريحاتها المتناقضة بشأن عدد الرؤوس المفقودة هشاشة الأرقام التي تستند إليها، ما يضع مصداقية هذه السياسة موضع شك كبير.
الحكومة تحدثت في مجلس المستشارين عن خصاص يبلغ 300 ألف رأس من الأبقار، قبل أن تشير في وثائق أخرى إلى رقم لا يتجاوز 150 ألف رأس. هذا التضارب لم يمر دون انتقاد، إذ نبه عبد الله بووانو، رئيس المجموعة النيابية للعدالة والتنمية، إلى أن منهجية الإحصاء نفسها أصبحت محل جدل، خاصة بعد اعتراف وزارة الداخلية بوجود أخطاء في تقديراتها بشأن الأغنام.
وفي ظل غياب معطيات دقيقة حول المخزون الحقيقي، يصبح الإصرار على الإعفاءات الضريبية أشبه بقرار يُتخذ في الظلام، دون تقييم لآثاره الاقتصادية أو الاجتماعية.
ورغم أن الحكومة تقدم إعفاء الاستيراد باعتباره أداة لضبط الأسعار خلال سنة 2026، إلا أن الواقع يكذّب هذه الوعود؛ فأسعار اللحوم تواصل التحليق في مستويات غير مسبوقة، حيث بلغ ثمن الكيلوغرام 120 درهماً، بينما تباع الكبدة المستوردة بثلاثة دراهم في المصدر بـ170 درهماً في السوق الوطني، في واحد من أكثر الأمثلة فجاجة على غياب الرقابة الحكومية.
الخطير أن الحكومة تكرر الإجراءات نفسها كل سنة، دون مساءلة سياسات الدعم السابقة التي لم تترك أي أثر إيجابي على القدرة الشرائية للمغاربة.
وبدل فتح نقاش واسع حول أسباب الغلاء الحقيقي—من احتكار وتلاعب في سلاسل التوزيع، وتراخي الرقابة، وغياب رؤية لإعادة بناء القطيع المحلي—تفضل الحكومة تعليق الأزمة على شماعة “الاستيراد”، وكأن إعفاءات الجمارك أصبحت برنامجا اجتماعيا بديلاً عن الإصلاح الهيكلي الذي لم يعد يحتمل التأجيل.
ومع ذلك تستمر في تقديم تبريرات تقنية لا تغير شيئاً في الواقع المعيشي، بينما تتوسع الهوة بين الخطاب الرسمي وحقيقة الأسعار داخل الأسواق.
المفارقة الأكبر تتجلى في الطريقة التي مرّر بها مجلس النواب مشروع قانون المالية في قراءة ثانية، خلال جلسة لم تحضرها سوى أقل من ثلث المؤسسة التشريعية، ما يعكس ضعف التتبع البرلماني لملف يهم الأمن الغذائي للمواطنين.
وبين أرقام متضاربة، وسياسات مرتجلة، وأسعار تستمر في الارتفاع، تبدو الحكومة، مرة أخرى، وكأنها تلجأ إلى حلول تقنية مؤقتة لتغطية فشل بنيوي في إدارة قطاع حيوي.
ومع اقتراب سنة 2026، يظل السؤال شاغراً: إلى متى ستظل إجراءات الإعفاء الضريبي بديلاً عن إصلاح حقيقي يعيد هيكلة القطاع ويحمي المستهلك من جشع السوق وارتباك القرار السياسي؟














