الصحافة _ وكالات
يلعب أيوب في الجانب الأيسر للملعب، وعلى الرغم من أنه من مشجعي فريق برشلونة، إلا أنه يلعب في صفوف فريق إسبانيول.
جاء أيوب (19 عاما) من المغرب مختبأ في شاحنة متجهة شمالا، حيث بدأت أحلامه تتحقق. أراد الوصول إلى برشلونة، مدينة فريقه المفضل لكرة القدم، وقد حقق ذلك وبدأ يلعب كرة القدم، ضمن صفوف فريق المدينة الثاني.
طريق الحلم
من عائلة فقيرة جدا، وكحال عدد من الصبيان المغاربة الذين يفرون من منازل أسرهم، بدأت قصة أيوب “لقد عرفنا أن الحياة أفضل هنا، من الأخبار التي تأتي إلينا”.
غادر أيوب منزل العائلة متجها إلى الناظور، المدينة الساحلية في شمال المغرب، حيث عاش هناك لمدة ثلاثة أشهر بين الشوارع والحواري والأزقة، حتى أتته الفرصة، وتمكن من مغادرة المغرب.
صارت الناظور مدينة عبور نحو الضفة الأخرى، يبلغ عدد سكانها حوالي 160 ألف نسمة، وهي قريبة من مليلية في الجيب الشمال أفريقي الواقع تحت حكم إسبانيا، حيث يعيش الكثير من الشباب ويبحثون عن فرصة حتى يصلوا إلى إسبانيا.
هذه القصة التي تتشابه مع قصص أخرى لشبان مغاربيين؛ تدور حول الأحلام، وأول خطى طريق الأحلام تبدأ من عبور جبل طارق والوصول إلى الأراضي الإسبانية “كلنا نريد أن نصل ونحقق أحلامنا”، يقول أيوب.
حاول الفتى عدة مرات، ويتذكر بالتفصيل الليلة التي غادر فيها.. أخذ سكينا حادة واتجه إلى الميناء كالمعتاد ليختار واحدة من الشاحنات، وبسكينه شق القماش الذي يغطي مؤخرة الشاحنة، ودخل إلى جرفها، وقام بخياطة الغطاء حتى لا يتم اكتشافه، “القلب كان يدق سريعا، كنت خائفا جدا، لكني صرت هناك”، يقول أيوب.
وجده سائق الشاحنة وطرده منها رغم أنه لم يخطر الشرطة، ويقول إنه اختبأ في مقصورة، وإنه في وقت ما من الليل، قام السائق نفسه الذي طلب منه المغادرة؛ بدعوته إلى العودة مجددا، “لقد أخذني إلى إسبانيا! وكان يحميني لأنه كان هناك الكثير الشرطة”، يوضح أيوب.
وطأت أقدام أيوب الأراضي الإسبانية بعد ساعات، حيث وصل أرض أحلامه بعد 8 ساعات من الاختباء داخل الشاحنة، “كنت أغامر من أجل شيء ما”، كما يقول، وهذا شيء له اسم، ويسمى الحلم”، وها قد أنجز جزءا منه.
وصل إلى مبتغاه، وانتهى طريقه في عاصمة إقليم كاتالونيا- برشلونة- ودخل مركزا للأطفال القاصرين غير المصحوبين بذويهم.
وحول التجربة في المركز، يخبرنا أيوب أنه “عندما تحترم نفسك، فإن الحميع يحترمك”.
ويسعى الأذكياء للعمل الجيد كوسيلة لتحقيق الأهداف، إلى وضع حد للصور النمطية، “القصّر ليسوا مجرمين كلهم، الناس ينظرون فقط إلى الأشياء السيئة، هناك الكثير منهم جيدون، يجب علينا أن نفرق”.
دراسة الطبخ
في الواقع، هؤلاء القُصَّر يميلون إلى الارتباط بنزاعات الجريمة. وتصر منظمات مثل مؤسسة “كوتال” (Comtal)، التي تساعد هؤلاء القُصَّر غير المصحوبين بذويهم، على القول إنه لا ينبغي لنا تجريم هؤلاء الأطفال الذين يقعون ضحايا للمافيا؛ وإن كل ما يريدون هو مستقبل أفضل.
هذه المنظمة غير الحكومية، تساعد أيوب في دراسته، “نحن نساعدهم على بناء أنفسهم، لتعلم الحرف، لكنهم تركوا هذا العام دون دراسة 17 شابا لأن مجلس مدينة برشلونة قد سحب دعمنا”، كما تقول مديرة المركز مارتا غايّيغو.
ولكن لحسن الحظ، لم يكن أيوب أحدهم، وهو الآن يدرس ضمن دورة للطبخ.
في المركز، الذي كان يعيش فيه لبضعة أشهر، لم يتوقف أيوب عن القول إنه يريد أن يلعب كرة القدم، وبإصرار، وأخذه اختصاصيو التوعية في المركز إلى نادي كرة القدم بالمدينة وبقي هناك. كان الفتى لاعبا جيدا، فتم التوقيع معه فورا، “تحقق الحلم!”، يقول.
خلال السنتين اللتين قضاهما في برشلونة، تعلم أيوب الإسبانية، وغادر مركز القاصرين ويعيش الآن في شقة يشرف عليها فريقه الرياضي. وبدأ دراسة الطهي بفضل المؤسسة، كما استطاع الجمع بين دراسة الطبخ وكرة القدم.
وتقول غايّيغو “يحتاج هؤلاء الأطفال إلى تعلم الحرف، إنه صراع يومي، يبحثون عن حياة أفضل ونحن نحاول مساعدتهم”.
وتؤكد أحدث البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة الداخلية الإسبانية؛ أنه في آب/ أغسطس 2019، كان هناك أكثر من 12 ألف من القُصَّر غير المصحوبين في إسبانيا.
والغالبية العظمى من هؤلاء القاصرين ينحدرون من البلدان المغاربية، ومن دول جنوب الصحراء الفارين من الفقر أو سوء المعاملة أو الحرب.
وعند وصولهم إلى إسبانيا وبعد التأكد من أنهم أقل من 18 عاما، يذهبون إلى مركز للأحداث، يشرف عليه المجتمع المدني والحكومة المحلية لكل إقليم بإسبانيا.
يقيمون في مراكز مفتوحة، حيث يمكن للأطفال الدخول والمغادرة في أوقات معينة، على سبيل المثال للذهاب إلى المدرسة، ولكن يجب عليهم العودة في أوقات النوم دائمًا. وتنتقد بعض المنظمات غير الحكومية اكتظاظ بعض المراكز، وأن ذلك يعيق الاندماج الصحيح للقُصّر.
وعلى الرغم من أن اليمين المتطرف بإسبانيا يصر على تجريم هؤلاء القُصر، إلا أن الواقع يشير إلى اتجاه آخر.
ووفقا لبيانات وزارة العدل الإسبانية، فإن 81 في المئة من الجرائم التي ارتكبها القُصَّر في عام 2017 كانت من أعمال الشباب الإسبان.
وفي الأندلس، كان لدى 0.52 بالمئة فقط، من الذين قبلهم النظام منذ عام 2015 تدابير اعتقال قضائي لأي جريمة.
وفي كاتالونيا، 82 بالمئة من القصر غير المصحوبين، الذين وصلوا بين عامي 2015 و2018 ، لم يكن لهم أي اتصال أو علاقة بالجريمة.
أما أيوب، فهو الآن ينحت صخر المستقبل الذي جاء يبحث عنه؛ بالصبر والمثابرة، مسطرا قصة تدور حول الأحلام.
ويبحث أيوب عن عمل، وهمه هو أن يكون قادرا على العيش من كرة القدم، لكنه يدرك أن الأمر صعب، وأن الطريق أمامه طويل.