الصحافة _ كندا
عاد الجدل حول الجهة التي ينبغي أن تشرف على الانتخابات في المغرب إلى الواجهة بقوة، بعد دراسة نقدية جديدة أعدّها باحثان مغاربة حلّلا من خلالها مذكرات أحزاب المعارضة بشأن إصلاح المنظومة الانتخابية قبل استحقاقات 2026. الدراسة، الصادرة عن المجلة العربية للنشر العلمي، سلطت الضوء على واحد من أكثر الملفات حساسية في المشهد السياسي المغربي: حدود دور وزارة الداخلية، وتصاعد الأصوات المطالِبة بإطار إشرافي مستقل وأكثر شفافية.
وتبيّن الدراسة أن أحزاب المعارضة تتقاطع في الدعوة إلى تقليص هيمنة الإدارة على تدبير الانتخابات، رغم اختلاف مقارباتها. فالتحاد الاشتراكي يدفع نحو تعزيز اللجنة الوطنية للانتخابات عبر لجان جهوية تُشرك القضاء وتتولى الإشراف الميداني، مع الإبقاء على الداخلية في دور لوجستي وتقني. أما التقدم والاشتراكية فيميل إلى مقاربة وسطية تقوم على توسيع صلاحيات اللجنة الحالية ومنحها استقلالية أكبر، دون الذهاب إلى إنشاء هيئة جديدة بالكامل، مع دعم إشراف قضائي واضح على المراحل الأساسية للاقتراع.
وتشير الدراسة إلى أن الحزب ذاته يدعو إلى إخضاع التقطيع الانتخابي والتدابير التنظيمية للنقاش المؤسسي داخل اللجنة الوطنية، وعبر لجان محلية تشرك الأحزاب في رسم معالم الاستحقاقات، في خطوة يعتبرها الحزب تجسيداً لمقاربة ديمقراطية تشاركية لا مجرد إجراءات تقنية.
أما فيدرالية اليسار الديمقراطي، فهي الوحيدة التي تطالب بشكل صريح بإحداث هيئة وطنية مستقلة للإشراف على الانتخابات، بتركيبة مكونة من شخصيات مشهود لها بالنزاهة والحياد، ولجان جهوية تُشرف على العملية برمتها، بهدف الحدّ من تدخل الإدارة واستعادة ثقة الناخبين.
في المقابل، يتبنّى حزب العدالة والتنمية موقفاً وسطاً يرى أن وزارة الداخلية، رغم كل الانتقادات، تبقى الأكثر قدرة على تدبير الانتخابات بالنظر إلى خبرتها التقنية والتنظيمية، شريطة إخضاع عملها لرقابة قضائية واضحة وضمانات شفافة للمتابعة والمحاسبة.
وترى الدراسة أن هذا التباين يعكس اختلافاً في نظرة الأحزاب إلى طبيعة الإصلاح السياسي نفسه: هل المطلوب تغيير جذري في بنية الإشراف الانتخابي، أم إصلاح تدريجي من داخل المنظومة القائمة؟ لكنها تسجل في المقابل وجود إجماع واسع على ضرورة تعزيز الشفافية، وتوسيع دور القضاء والمجتمع المدني، وتقوية آليات الحكامة الانتخابية.
كما خلصت الدراسة إلى أن الجدل حول الإشراف الانتخابي يتجاوز التقنية إلى الرمزية، لأنه يرتبط مباشرة بمسألة الثقة في الدولة ومصداقية المؤسسات المنتخبة. ولم تكتف الدراسة بهذا الجانب، بل عرضت أيضاً مقترحات المعارضة بخصوص نظام القاسم الانتخابي، والتقطيع الترابي، وتمويل الأحزاب، وتمثيل النساء والشباب ومغاربة الخارج، معتبرة أن إصلاح المنظومة الانتخابية لا يمكن أن يظل جزئياً أو تقنياً، بل ينبغي أن يكون مدخلاً لإعادة بناء جسور الثقة بين الدولة والمجتمع.
وختم الباحثان دراستهما بالتحذير من تكرار سيناريو 2021، حين طُبّقت مراجعات تقنية محدودة دون معالجة عمق الأزمة: العزوف، ضعف المشاركة، وتراجع صدقية الأحزاب. ودعوا إلى أن يكون النقاش حول جهة الإشراف خطوة أولى في مراجعة أعمق تمسّ معنى التمثيل السياسي ودور الأحزاب في النسق السياسي المغربي.














