الصحافة _ كندا
لقاء المدير العام للأمن الوطني ومراقبة التراب الوطني، عبد اللطيف حموشي، بسفيرة جمهورية الصين الشعبية بالرباط، ليس حدثاً بروتوكولياً عابراً، بل هو مؤشر عميق على المكانة التي باتت تحتلها المملكة المغربية في هندسة الأمن الدولي، وفي صياغة معادلات جديدة للتعاون الاستخباراتي والأمني عبر القارات.
الرباط لم تعد مجرد عاصمة سياسية، بل تحولت إلى منصة استراتيجية تلتقي عندها مصالح الشرق والغرب في مواجهة التحديات العابرة للحدود: الإرهاب، الجريمة المنظمة، الأمن السيبراني، وتهريب البشر والمخدرات.
الزيارة الصينية، التي تأتي عشية احتضان المغرب للدورة الـ93 للجمعية العامة للإنتربول بمراكش، تحمل في طياتها بعداً رمزياً قوياً. فهي تؤكد أن المغرب أصبح شريكاً موثوقاً، وفاعلاً رئيسياً في صناعة القرار الأمني الدولي، بفضل مقاربة مندمجة تجمع بين الصرامة الميدانية والرؤية الدبلوماسية الهادئة.
منذ سنوات، يقود عبد اللطيف حموشي تحوّلاً نوعياً في بنية الأمن المغربي، جعل من “المديرية العامة للأمن الوطني” و”المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني” مؤسستين مرجعيتين في القارة الإفريقية والعالم العربي، بفضل منظومة عمل تعتمد على التكنولوجيا المتقدمة، والتنسيق الدولي، والاستباقية في معالجة التهديدات.
هذه المقاربة التي تمزج بين الحزم والذكاء، بين الوطنية والانفتاح، هي ما يجعل القوى الكبرى – مثل الصين – تبحث عن توسيع التعاون مع الرباط.
الصين، التي تواجه بدورها تحديات متزايدة في الأمن السيبراني وحماية مصالحها الاقتصادية حول العالم، تدرك أن التجربة المغربية في إدارة المخاطر الأمنية تمثل نموذجاً يحتذى به في الاستباق والمرونة. فالمغرب لا يتعامل مع الأمن كقضية داخلية فقط، بل كرافعة من روافع التنمية والسيادة الوطنية، وكأداة دبلوماسية لبناء جسور الثقة مع الشركاء الدوليين.
وفي هذا السياق، تأتي زيارة السفيرة الصينية كترجمة فعلية لمفهوم “الديبلوماسية الأمنية” التي باتت إحدى سمات المغرب في عهد الملك محمد السادس.
ديبلوماسية تقوم على مبدأ “الأمن المشترك” وليس “الأمن الأحادي”، وتؤمن بأن التعاون هو السبيل الوحيد لمواجهة المخاطر العالمية.
التحضيرات الجارية لاحتضان مؤتمر الإنتربول بمراكش تعكس بدورها حجم هذا التحول. فالمغرب، الذي كان في الماضي متلقياً للخبرات الأمنية، أصبح اليوم مصدّراً لها، ووجهةً تحتضن النقاشات الكبرى حول الأمن العالمي.
الرسالة التي يبعثها هذا اللقاء واضحة: الرباط ليست فقط حليفة للغرب في الحرب ضد الإرهاب، بل شريك استراتيجي للقوى الصاعدة كالصين في بناء نظام أمني متعدد الأقطاب، يوازن بين السيادة الوطنية والتعاون الدولي.
في العمق، ما يجري ليس مجرد لقاء دبلوماسي، بل تأكيد على أن المغرب يسير بخطى ثابتة نحو ترسيخ “القوة الهادئة” في محيطه الإقليمي والدولي، قوة تستمد مشروعيتها من مؤسساتها الصلبة، ومن الثقة التي راكمتها تحت إشراف الملك محمد السادس في جعل الأمن الوطني ركناً أساسياً في استقرار المملكة وازدهارها.
لقد انتقل المغرب من الدفاع عن أمنه إلى المساهمة في أمن العالم، ومن تلقي المعلومة إلى إنتاجها، ومن موقع التابع إلى موقع الشريك.
وهذا التحول هو الذي يجعل لقاء حموشي بالسفيرة الصينية محطة جديدة في مسار بناء “عقيدة أمنية مغربية” تجمع بين الحداثة والنجاعة، وبين حماية الوطن وخدمة السلام العالمي.














