المغرب يرسخ سيادته الدفاعية بمعادلة القوة والذكاء الاستراتيجي

10 نوفمبر 2025
المغرب يرسخ سيادته الدفاعية بمعادلة القوة والذكاء الاستراتيجي

الصحافة _ كندا

كشف تقرير إسباني حديث أن المغرب يعيش منذ سنوات تحولاً عميقاً في منظومته العسكرية والدفاعية، في إطار رؤية استراتيجية شاملة يقودها الملك محمد السادس، تستهدف تعزيز السيادة الصناعية والقدرات الاستراتيجية للمملكة في أفق 2030. التقرير، الصادر عن موقع Descifrando la Guerra اعتماداً على معطيات “معهد إلكانو الملكي” بمدريد، وصف المغرب بأنه “أحد أكثر الدول الإفريقية دينامية في مجال التحديث العسكري”، وهو ما أثار – وفق المصدر نفسه – قلقاً متزايداً في الأوساط السياسية والإعلامية الإسبانية.

ففي استطلاع للرأي أجراه معهد “إلكانو” في يوليوز 2025، اعتبر 55 في المائة من الإسبان المغربَ التهديد الخارجي الأول لإسبانيا، متقدماً حتى على روسيا التي لم تتجاوز نسبة من يعتبرونها تهديداً 33 في المائة. ويرجع التقرير هذا التوجس إلى تراكم الملفات العالقة بين البلدين، من قضيتي سبتة ومليلية إلى النزاع البحري في شمال الأطلسي، مروراً بالإرث التاريخي للحروب القديمة بين الرباط ومدريد، وانتهاء بملف الهجرة غير النظامية الذي يوظَّف في الخطاب السياسي الإسباني كورقة ضغط داخلية.

ويرى التقرير أن الإعلام الإسباني لعب دوراً محورياً في تضخيم هذه المخاوف، عبر تغطيات تميل إلى التحذير من “النهضة العسكرية المغربية”، مقدماً تطور القوات المسلحة الملكية كتهديد محتمل لموازين القوى في مضيق جبل طارق. غير أن محللين إسبان، بحسب التقرير، يعتبرون هذه القراءة مبالغاً فيها، موضحين أن تحديث الجيش المغربي ليس موجهاً ضد إسبانيا، بل يندرج ضمن توازن استراتيجي أوسع مع الجزائر وتنامي التهديدات في منطقة الساحل.

منذ سنة 2017، أطلق المغرب خطة استراتيجية لتحديث جيشه، تم تفعيلها رسمياً في 2020، تهدف إلى بناء منظومة دفاعية عصرية تعتمد على التصنيع المحلي وتنويع مصادر التسلح، دون التخلي عن التحالفات التاريخية مع شركائه الغربيين. التقرير يصف العلاقة بين المغرب والجزائر بأنها “حرب باردة إقليمية” تُترجمها سباقات تسلح متصاعدة، إذ أشار معهد SIPRI إلى أن الجزائر تصدّرت سنة 2024 قائمة الدول الإفريقية في الإنفاق العسكري بما يقارب 21.8 مليار دولار، ما دفع المغرب إلى تقليص الفجوة العسكرية من منطلق الردع، لا المواجهة.

ويمتد الاهتمام المغربي إلى منطقة الساحل الإفريقي، التي أصبحت فضاءً حيوياً للأمن القومي المغربي، خاصة بعد انسحاب القوات الفرنسية من مالي والأمريكية من النيجر، ما فتح الباب أمام الرباط لتكريس حضورها كفاعل إقليمي مسؤول وشريك موثوق للغرب في مكافحة الإرهاب والاستقرار الإقليمي.

ويُبرز التقرير أن سنة 2020 كانت نقطة التحول الكبرى في السياسة الدفاعية المغربية، بعد الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على صحرائه وانضمام الرباط إلى “اتفاقات أبراهام”، ما فتح أمامها آفاقاً واسعة في مجالات التسلح والاستخبارات والتعاون الصناعي العسكري مع الولايات المتحدة وإسرائيل، خصوصاً عبر شركات مثل Israel Aerospace Industries.

كما يحتل المغرب موقعاً محورياً في المناورات الدولية، وعلى رأسها تمرين “الأسد الإفريقي” الذي تشرف عليه الولايات المتحدة ويُعتبر الأكبر في إفريقيا، بمشاركة أكثر من خمسين دولة، ما يعكس الثقة في المؤسسة العسكرية المغربية باعتبارها قوة منضبطة واحترافية ذات قابلية عالية للتنسيق مع حلف شمال الأطلسي.

في المقابل، حرصت الرباط على تنويع مصادر تسلحها، من الأنظمة الجوية الصينية مثل Sky Dragon 50 وFD-2000B، إلى التعاون مع الشركات التركية وعلى رأسها Baykar، التي تستعد لإنشاء مركز صيانة لطائرات “بيرقدار” و“أقينجي” في المغرب، في إشارة إلى انفتاح المملكة على التكنولوجيا الدفاعية متعددة الأقطاب.

رغم أن الإنفاق الدفاعي المغربي بلغ سنة 2024 نحو 5.5 مليارات دولار، أي ما يعادل 34 في المائة من واردات السلاح في شمال إفريقيا، يرى التقرير أن هذا الاستثمار “ضروري لبناء جيش وطني متطور ومستقل استراتيجياً”، خاصة مع الدعم المالي الخليجي، وخصوصاً من الإمارات، التي يُتوقع أن تنقل جزءاً من مقاتلاتها المتطورة “ميراج 2000-9E” إلى المغرب.

ويختم التقرير بالتأكيد على أن مشروع التحديث العسكري المغربي لم يعد شأناً تقنياً أو مرحلياً، بل مشروع دولة يقوده الملك محمد السادس شخصياً، ويعكس إرادته في ترسيخ الاستقلال الاستراتيجي للمملكة وتعزيز أمنها القومي في محيط مضطرب. فمنذ محاولتي الانقلاب في السبعينيات، إلى إعادة الخدمة العسكرية سنة 2019، أعاد الملك صياغة العلاقة بين العرش والجيش على أساس الثقة، والاحتراف، والولاء للوطن.

وبهذا، يؤكد التقرير الإسباني أن المغرب اليوم يكتب فصلاً جديداً من تاريخه الدفاعي والسيادي، ليس بالرهان على القوة فحسب، بل على الذكاء الاستراتيجي والتوازن الدبلوماسي، في معادلة تجعل من الجيش المغربي أداة للدفاع عن السيادة، لا وسيلة للهيمنة — وهو ما يشكل، في نظر كثير من الخبراء، الفرق الجوهري بين مشروع مغربي وطني ومشاريع إقليمية مبنية على العداء والتسليح الأعمى.

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص المحتوى والإعلانات، وذلك لتوفير ميزات الشبكات الاجتماعية وتحليل الزيارات الواردة إلينا. إضافةً إلى ذلك، فنحن نشارك المعلومات حول استخدامك لموقعنا مع شركائنا من الشبكات الاجتماعية وشركاء الإعلانات وتحليل البيانات الذين يمكنهم إضافة هذه المعلومات إلى معلومات أخرى تقدمها لهم أو معلومات أخرى يحصلون عليها من استخدامك لخدماتهم.

اطّلع على التفاصيل اقرأ أكثر

موافق