الصحافة _ كندا
دخلت قضية “طحن الورق مع الدقيق”، التي أثارتها تصريحات أحمد التويزي، رئيس فريق الأصالة والمعاصرة بمجلس النواب، منعطفاً جديداً، بعدما أعلن الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالرباط عن فتح بحث قضائي رسمي في الموضوع، للتحقق من مضمون التصريحات والاتهامات التي شغلت الرأي العام خلال الأيام الأخيرة.
وكان التويزي قد وجّه اتهامات خطيرة لبعض شركات الدقيق خلال جلسة مناقشة مشروع قانون المالية لسنة 2026، حين قال إن “هناك شركات تطحن الأوراق فقط وتقدمها كدقيق مدعم”، مضيفاً أن “الدقيق الذي يستفيد منه المواطنون الفقراء في بعض المناطق لا يُستساغ طعمه”، وداعياً الحكومة إلى فرض مراقبة صارمة واتخاذ إجراءات ردعية لحماية المال العام.
تصريحات التويزي أحدثت زلزالاً داخل أروقة البرلمان وخارجها، إذ اعتبرها مهنيون في قطاع المطاحن “اتهامات مجانية تسيء إلى سمعة قطاع استراتيجي”، فيما خرج رئيس الفيدرالية الوطنية للمطاحن بتصريح قوي وصف فيه كلام التويزي بأنه “سقط كالصاعقة على المهنيين”، مؤكداً أن الفيدرالية ستتخذ الإجراءات القانونية اللازمة للرد.
وأكدت الفيدرالية أن الأرقام التي تحدث عنها التويزي “غير منطقية”، موضحة أن الدعم العمومي للدقيق المدعم يخضع لمراقبة صارمة من طرف وزارات الداخلية والفلاحة والمالية، وأنه لا يمكن بأي شكل من الأشكال الحديث عن “طحن الأوراق” بالمعنى الحرفي، معتبرة أن ذلك يمس بكرامة آلاف العاملين في هذا القطاع الحيوي.
وأمام هذا الجدل المتصاعد، عاد التويزي ليصدر توضيحاً عبر صفحته الرسمية، أكد فيه أن المقصود بعبارة “طحن الورق” كان مجازاً لغوياً يقصد به “التلاعب في الوثائق والفواتير للحصول على الدعم العمومي”، وليس الإشارة إلى خلط مواد غير صالحة بالدقيق، مبرزاً أن “قيمة الورق في السوق أغلى من الدقيق نفسه، وهو ما يجعل الادعاء الحرفي غير منطقي اقتصادياً”.
وأضاف البرلماني أن مداخلته كانت تروم لفت انتباه الحكومة إلى ضرورة تعزيز المراقبة وضمان توجيه الدعم إلى مستحقيه، معتبراً أن البعض “حرّف مضمون كلامه بحثاً عن الإثارة الإعلامية والبوز”، وأنه يثق في القضاء لإنصاف الحقيقة.
وتحولت قضية “طحن الورق” إلى نقاش وطني حول علاقة السياسة بالخطاب البرلماني وحدود المسؤولية في إطلاق الاتهامات، حيث يرى مراقبون أن تحريك النيابة العامة للبحث القضائي يشكل سابقة تعكس حرص المؤسسة القضائية على حماية سمعة القطاعات الحيوية وصون الثقة العامة، كما يبرز في الآن نفسه حساسية العلاقة بين حرية التعبير السياسي والمسؤولية القانونية في التصريحات التي تُدلى تحت قبة البرلمان.
وفي انتظار ما ستكشفه نتائج التحقيق، تبقى “قضية الورق والدقيق” اختباراً حقيقياً لقدرة الخطاب السياسي المغربي على التمييز بين المجاز والاتهام، وبين الرقابة البرلمانية والتجريح في القطاعات الاقتصادية الحيوية.














