الصحافة _ كندا
قرار تعيين الملك محمد السادس للجنرال عبد الله بوطريج على رأس المديرية العامة لأمن أنظمة المعلومات لا يمكن قراءته بمعزل عن الظرفية الدقيقة التي تمر بها المملكة، حيث تصاعدت بشكل لافت الهجمات الإلكترونية التي طالت مؤسسات عمومية وحيوية، وأفرزت حالة قلق مجتمعي ورسمي بسبب خطورة التسريبات وتنامي حملات الاستهداف الرقمي. هذه الهجمات لم تعد مجرد اختراقات عابرة بوسائل بدائية، بل تحولت إلى عمليات منظمة، وظفت حسابات افتراضية لإرباك الرأي العام عبر نشر معطيات حساسة أو وثائق منسوبة إلى إدارات الدولة، كما هو الحال مع حساب “جبروت” الذي أثار جدلا واسعا.
في هذا السياق، يظهر التعيين الملكي كخطوة استراتيجية لتعزيز خط الدفاع الرقمي الوطني وإعادة هيكلة المنظومة السيبرانية بما يواكب حجم التحديات الجديدة. فالمديرية العامة لأمن أنظمة المعلومات، التي أحدثت سنة 2011، أصبحت اليوم في قلب المعادلة الأمنية، إذ يوازي دورها في حماية المعطيات والبنيات التحتية الحيوية أهمية الدفاع الترابي والعسكري. اختيار بوطريج، القادم بخبرة تقنية وعسكرية متراكمة، يعكس إرادة في الجمع بين الكفاءة التكنولوجية والانضباط العسكري، وهو ما يبدو ضروريا لإدارة مؤسسة تتحمل مسؤولية مواجهة تهديدات عابرة للحدود، لا تقف عند حدود التخريب المعلوماتي بل قد تمتد لتقويض الثقة في مؤسسات الدولة.
المسار الأكاديمي والمهني للجنرال الجديد، الذي جمع بين التكوين في الهندسة والإحصاء والتجربة الميدانية داخل القوات المسلحة، يوحي بأن الرهان على شخصه ليس مجرد تعيين إداري، بل هو رسالة بأن الدولة المغربية تسعى إلى الانتقال من مقاربة رد الفعل إلى مقاربة استباقية في مجال الأمن السيبراني. فالتحديات لم تعد تقتصر على حماية قواعد البيانات والشبكات الحكومية، بل باتت مرتبطة كذلك بصون السيادة الرقمية للبلاد ومواجهة أي محاولات لاستغلال الفضاء الافتراضي لزعزعة الاستقرار الداخلي أو التشويش على صورة المغرب دوليا.
من زاوية أخرى، يمكن اعتبار هذا التعيين أيضا مؤشرا على أن ملف الأمن السيبراني بات على أعلى درجات سلم الأولويات الاستراتيجية، وأن التعامل معه يتم بنفس الجدية التي تحاط بها ملفات الدفاع التقليدي. فالمغرب الذي يخوض سباقا نحو التحول الرقمي والانفتاح الاقتصادي، لا يمكنه أن يحقق رهاناته التنموية دون درع سيبراني محكم. وهنا يأتي دور المديرية تحت قيادة بوطريج في ترجمة هذه الرؤية إلى سياسات عملياتية، قوامها التكوين، واليقظة المستمرة، والشراكات الدولية، مع رهان أساسي على بناء الثقة الرقمية لدى المواطنين والمؤسسات.
بهذا المعنى، فإن التعيين الملكي يعكس إدراكا واضحا لكون المعركة المقبلة لن تُحسم فقط في ميادين الجغرافيا، بل أيضا في فضاءات الشبكات والمعطيات، حيث يتقاطع الأمن بالسيادة، والتكنولوجيا بالاستقرار السياسي والاجتماعي.