ارتفاع أسعار المواد الأساسية يعمّق معضلة التضخم ويكشف هشاشة البنية الاجتماعية

20 أغسطس 2025
ارتفاع أسعار المواد الأساسية يعمّق معضلة التضخم ويكشف هشاشة البنية الاجتماعية

الصحافة _ كندا

الأرقام الأخيرة الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط بخصوص أسعار المواد الاستهلاكية في يوليوز 2025 تكشف عن مفارقة مقلقة: في الوقت الذي سجل فيه الرقم الاستدلالي للأثمان عند الاستهلاك انخفاضا طفيفا بنسبة 0,1% مقارنة مع الشهر السابق، فإن أسعار مجموعة من المواد الأساسية شهدت ارتفاعا ملحوظا، في مقدمتها المحروقات بنسبة 3,5% والحليب والجبن والبيض بنسبة 2,7%. هذا المعطى يعكس بوضوح أن ما يسميه التقرير “انخفاضا طفيفا” لا يعكس حقيقة ما يعيشه المستهلك المغربي، لأن تأثير ارتفاع المواد الحيوية أكبر بكثير من أثر انخفاض بعض الخضر والفواكه الموسمية.

القراءة السياسية للأرقام تبرز أن المغرب يواجه موجة جديدة من التضخم البنيوي مرتبطة بقطاعات لا يمكن للمواطن أن يتخلى عنها: الطاقة والمواد الغذائية الأساسية. فارتفاع أسعار المحروقات يعيدنا إلى إشكالية دعم المواد البترولية وغياب آليات ضبط السوق، في وقت ما زال فيه الرأي العام يتذكر النقاش الحاد حول المحروقات وأسعارها بعد تقرير مجلس المنافسة. هنا يظهر أن الدولة عاجزة عن توفير حماية اجتماعية مباشرة للطبقات الوسطى والفقيرة التي تجد نفسها أمام زيادات متتالية في كلفة النقل والإنتاج، ما ينعكس بدوره على باقي المواد الاستهلاكية.

المفارقة الأخرى تكمن في أن الحكومة ستسوق هذه الأرقام باعتبارها دليلا على استقرار نسبي في الأسعار، في حين أن المواطن العادي لا يعيش الاستقرار بل يشعر بضغط مالي متزايد على قدرته الشرائية. انخفاض أسعار الخضر بنسبة 4,7% أو الفواكه بنسبة 0,9% لا يغير شيئا من واقع أن الحليب والبيض والوقود أغلى، وهذه مواد تدخل يوميا في استهلاك الأسر. إنها لعبة الأرقام التي تحاول من خلالها المؤسسات الرسمية تلطيف صورة التضخم، لكن الواقع الاقتصادي والاجتماعي يكشف أن الأزمات تتراكم وتُترجم إلى حالة احتقان صامت في الشارع.

على المستوى الترابي، الأرقام تكشف عن تفاوتات مثيرة بين المدن: انخفاض في مكناس وكلميم والعيون وسطات، مقابل ارتفاع في الرشيدية والحسيمة وتطوان. هذه التباينات تعكس هشاشة المنظومة اللوجستية وضعف الرقابة الترابية على الأسعار، حيث يمكن لمدينة أن تعرف ارتفاعا في وقت تنخفض فيه الأسعار بمدينة أخرى، ما يطرح سؤال غياب سياسة موحدة لضبط الأسواق المحلية.

أما على المستوى السنوي، فإن الارتفاع بنسبة 0,5% في الرقم الاستدلالي للأثمان مقارنة مع يوليوز 2024، خصوصا في المواد الغذائية (0,9%)، يؤكد أن التضخم في المغرب لم يعد ظرفيا بل تحول إلى معطى هيكلي. وإذا أضفنا ارتفاع مؤشر التضخم الأساسي بنسبة 0,9%، فهذا يعني أن حتى المواد المستثناة من تقلبات الأسعار أو ذات الأسعار المحددة تشهد بدورها ضغوطا، ما يعمق الأزمة.

إن قراءة هذه الأرقام خارج السياق الاجتماعي والسياسي ستكون مضللة. فالمسألة ليست مجرد نسب مئوية في تقارير تقنية، بل انعكاس مباشر على **الأمن الاجتماعي** للمغاربة. فكل زيادة في أسعار المحروقات والحليب والبيض والجبن والقهوة تمثل ضربة جديدة للطبقات الهشة والمتوسطة التي تعيش أصلا تحت ضغط الغلاء المتراكم منذ سنوات. وهذا ما يجعل السؤال الحقيقي هو: هل تملك الحكومة رؤية سياسية لمواجهة موجة التضخم المقبلة، أم أنها ستكتفي بترديد أرقام تقنية تخفي أكثر مما تكشف؟

الجواب سيحدد إن كان المغرب يتجه نحو مرحلة استقرار نسبي قادر على حماية القدرة الشرائية، أم نحو تراكم الغضب الاجتماعي الذي قد ينفجر في أي لحظة، خاصة إذا استمرت السياسات العمومية في الاكتفاء بالمعالجة الرقمية للتقارير، بدل مواجهة الواقع الميداني الذي يكشف أن التضخم لم يعد مجرد إشكال اقتصادي بل تحول إلى **أزمة سياسية واجتماعية بامتياز**.

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص المحتوى والإعلانات، وذلك لتوفير ميزات الشبكات الاجتماعية وتحليل الزيارات الواردة إلينا. إضافةً إلى ذلك، فنحن نشارك المعلومات حول استخدامك لموقعنا مع شركائنا من الشبكات الاجتماعية وشركاء الإعلانات وتحليل البيانات الذين يمكنهم إضافة هذه المعلومات إلى معلومات أخرى تقدمها لهم أو معلومات أخرى يحصلون عليها من استخدامك لخدماتهم.

اطّلع على التفاصيل اقرأ أكثر

موافق