الصحافة _ كندا
في النقاش الدائر حول المقارنة بين المغرب وإسبانيا على مستوى السياحة، غالباً ما يتركز الجدل على مسألة الأسعار، في حين أن البُعد الأهم يتمثل في القيمة التي يحصل عليها السائح مقابل ما يدفعه. تشير الأرقام إلى أن أسبوعاً سياحياً في المغرب يكلّف في المتوسط حوالي 544 أورو، مقابل 1328 أورو في إسبانيا، أي أقل من النصف تقريباً. غير أن هذه الفجوة في الكلفة لا تترجم بالضرورة إلى تفوق في الجاذبية، بدليل أن إسبانيا تستقبل ما يقارب 94 مليون سائح سنوياً، بينما لا يتجاوز عدد زوار المغرب 17.4 مليون.
الفارق الجوهري يكمن في جودة التجربة السياحية. فإسبانيا، رغم كلفتها المرتفعة نسبياً، تقدم خدمات متكاملة تتراوح بين البنية الفندقية عالية الجودة، والعروض الثقافية والترفيهية المتنوعة، واحترافية التعامل مع الزوار من مختلف الثقافات. أما في المغرب، فما زالت العروض الشاملة All-Inclusive، التي أصبحت معياراً في المنافسة السياحية الدولية، محدودة الحضور مقارنة بدول مثل مصر التي تتصدر إفريقيا في هذا المجال بفضل صناعة منتجعات قوية.
النموذج الإسباني يقوم على تنويع المنتجات السياحية، من الشواطئ والمدن التاريخية، إلى المؤتمرات والرياضات والمهرجانات، ضمن منظومة تسويق وخدمات متكاملة. في المقابل، يركز المغرب أساساً على الوجهات الساحلية الكبرى والمدن العتيقة، دون تطوير كافٍ لمنتجات جديدة أو تحديث شامل للبنية الخدمية.
يبقى التحدي الأبرز هو الرأسمال البشري، إذ لا يمكن تحقيق قفزة نوعية في القطاع دون رفع معايير التكوين والاحترافية. السياحة ليست مجرد غرف فندقية أو خطوط جوية، بل هي تفاعل مباشر بين الزائر والعاملين في القطاع، وأي خلل في هذا التفاعل يمكن أن يضر بصورة البلد وسمعته.
إذا أراد المغرب الاقتراب من مستوى المنافسة مع وجهات رائدة مثل إسبانيا، فإن الطريق يمر عبر استراتيجية شاملة تضع الجودة في صلب العرض السياحي، وتستثمر في الكفاءات، وتوسع قاعدة العروض الشاملة، وتنوع المنتجات، وتضمن مراقبة صارمة للجودة في كل مراحل سلسلة الخدمة، حتى يصبح الفارق مع المنافسين ليس في الأسعار فقط، بل في القيمة المضافة التي يحصل عليها السائح.
