الصحافة _ كندا
في خطوة ذات دلالات استراتيجية عميقة، أعاد الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب، عبر رسالة تهنئة بمناسبة عيد العرش المجيد، التأكيد على الموقف الأمريكي الداعم لوحدة المغرب الترابية، مجددًا الاعتراف بسيادة المملكة الكاملة على أقاليمها الجنوبية، ومعتبرًا مبادرة الحكم الذاتي المغربية الإطار الواقعي والوحيد لحل النزاع المفتعل حول الصحراء.
هذا التأكيد، وإن صدر من رئيس سابق، فإنه يكتسي بعدًا يتجاوز السياق الدبلوماسي العابر، ليعيد تموقع المغرب في قلب الاستراتيجية الأمريكية تجاه شمال إفريقيا، خصوصًا في ظل التحديات الإقليمية الراهنة، والتحولات الجيوسياسية المتسارعة، سواء على مستوى المتوسط أو الساحل والصحراء.
يُفهم من مضمون رسالة ترامب أن الاعتراف الأمريكي بالصحراء المغربية، كما تم الإعلان عنه رسميا في دجنبر 2020، لم يكن مجرد مناورة ظرفية أو توظيف سياسي عابر، بل تعبير عن تحول بنيوي في تصورات واشنطن لدور المغرب في استقرار المنطقة، وتعزيز الأمن الإقليمي، ومكافحة الإرهاب، وبناء جسور التعاون الاقتصادي والتجاري، خاصة بعد توقيع اتفاقات أبراهام.
وإذا كان الموقف الأمريكي قد تكرّس آنذاك عبر مرسوم رئاسي تم إيداعه لدى الأمم المتحدة، فإن استمرارية الدعم من طرف شخصيات سياسية بارزة من حجم ترامب يعكس رسوخ هذا التوجه داخل مفاصل الدولة الأمريكية العميقة، بما في ذلك البنتاغون ووكالة الاستخبارات المركزية، التي لطالما اعتبرت المغرب حليفًا موثوقًا في مكافحة التهديدات المتطرفة.
وما يُضفي على الرسالة بُعدًا إضافيًا هو ربطها بأولويات واشنطن في المرحلة المقبلة: السلام الإقليمي، واستثمار الاتفاقات الموقعة بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، وتعزيز المحور المعتدل في مواجهة المحاور الراديكالية التي تُهدد استقرار المنطقة. في هذا السياق، يتموقع المغرب، بفضل قيادته الملكية الرشيدة، بوصفه فاعلاً وسيطًا ذا مصداقية، قادرًا على التوفيق بين مقتضيات السيادة والانفتاح، وبين صرامة الموقف الوطني وروح الحوار الدبلوماسي.
إن رسالة ترامب لا تُعيد فقط تأكيد موقف سياسي، بل تمنح المغرب ورقة دعم إضافية يمكن توظيفها في المحافل الدولية، وفي الدفع نحو حلّ سياسي نهائي للنزاع، وفق مقاربة واقعية تأخذ بعين الاعتبار سيادة الدول واستقرارها، عوض الإصرار على أطروحات متجاوزة أمنيًا وقانونيًا.
ختامًا، لا يمكن عزل هذه الرسالة عن الدينامية الملكية التي قادها جلالة الملك محمد السادس خلال العقدين الماضيين، في تثبيت المغرب كقوة إقليمية صاعدة، توازن بين الشرعية التاريخية، والنضج المؤسساتي، والفعالية الجيوسياسية. وهي رسالة مفادها أن الموقف الأمريكي، حين يكتب بمداد السيادة، لا يُمحى بريح التغيير، ولا يُلغى بتقلب الإدارات.