الصحافة _ وكالات
ثمة شيء خطأ يجري في المملكة العربية السعودية ما يجعلها تتجه نحو الانهيار في صمت دون ضجيج.
هكذا يستهل الصحفي ماثيو بيتي مقاله التحليلي بمجلة (ناشونال إنترست) الأميركية تحت عنوان “السعودية تحت الحصار: هل تنهار المملكة بهدوء؟”.
يقول الكاتب إن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي كان يُنظر إليه يوما على أنه الوجه الشاب الواعد للأنظمة الملكية العربية، يحصد نتاج سياسته الخارجية هزائم في الخارج وتذمرا وهمهمات “مقلقة” بالداخل.
ويشير إلى أن المصائب توالت على بن سلمان في الآونة الأخيرة. ففي يوم السبت الماضي دمر الحوثيون رتلا من الآليات العسكرية السعودية على طول الحدود مع اليمن، وأسروا مئات الجنود.
ثم جاءت جريمة القتل “الغامضة” للواء عبد العزيز الفغم الحارس الشخصي للملك سلمان بن عبد العزيز التي دقت أجراس الخطر داخل المملكة، حسب تعبير ماثيو بيتي.
ومع تكالب المشاكل عليه، فإن ولي العهد السعودي قد يلجأ إلى مناورة أخيرة ويتحول من واشنطن نحو طهران. غير أن كاتب المقال يرى أن هذه الخطوة محفوفة بالمخاطر، ثم إنه لا يملك متسعا للمناورة.
وينقل ماثيو بيتي عن نائب الرئيس التنفيذي لمعهد كوينسي للأبحاث تريتا بارسي، القول إن سعوديين كثيرين تحدث إليهم أثاروا احتمالات بأن ما يحدث في وطنهم ربما يكون من صنيعة عناصر داخل الحكومة السعودية تريد إحراج محمد بن سلمان الذي يرون أنه يُعرِّض المملكة لمشاكل لا فكاك منها.
ويضيف بارسي -وهو باحث إيراني المولد يحمل الجنسية السويدية ويعيش في الولايات المتحدة- أن السعوديين قد لا يجدون صعوبة في إدراك أن بن سلمان يشكل العقبة الأولى التي تعترض مستقبل المملكة.
سياسات رعناء
وينوه مقال ناشونال إنترست بأن محمد بن سلمان استهل ولاية العهد بسياسة خارجية “طموحة”، فدفع الرئيس الأميركي دونالد ترامب نحو التصعيد مع إيران، ورفع من وتيرة الحرب في اليمن، وفرض حصارا “مفاجئا” على دولة قطر، بيد أن سياساته هذه انفجرت في وجهه، على حد تعبير المقال.
ومن المصائب التي انهالت على المملكة ما حدث في 14 سبتمبر/أيلول من هجوم دمر معملا لإزالة الكبريت من البترول في منطقة بقيق شرقي السعودية، أسفر عن إيقاف نصف صادراتها من النفط.
ويصف ماثيو بيتي ما حدث السبت بالكارثة التي لحقت بالرياض عندما زعم الحوثيون أنهم قضوا على ثلاثة ألوية سعودية في غارة عبر الحدود بالقرب من مدينة نجران.
ويرى الكاتب أنه من غير الممكن التثبت مما إذا كان الحوثيون قد ألحقوا هزيمة نكراء بثلاثة ألوية سعودية وأين كانت ساحة المعركة.
ولتدعيم وجهة نظره هذه، ينقل الكاتب عن المديرة المؤسسة لمبادرة حوارات المسار الثاني في معهد الشرق الأوسط، راندا سليم، القول إن بعض التقارير تتحدث عن أن الجنود الذين قُتلوا أو سقطوا في الأسر هم مرتزقة باكستانيون استأجرتهم السعودية.
غير أن مقاطع الفيديو التي بثتها قناة المسيرة التابعة لجماعة الحوثي أظهرت صورا لمئات الجنود وهم يلقون أسلحتهم على الأرض ويستسلمون.
وقد التزمت السلطات السعودية الصمت إزاء مزاعم الحوثيين، لكن ثمة تقارير “مزعجة” تتسرب خارج البلد. وما إن أعلنت الرياض عن مقتل اللواء الفغم في مدينة جدة يوم الأحد إثر خلاف شخصي مع صديق له يدعى ممدوح آل علي، حتى أثارت تقارير عديدة شكوكا حول الرواية الرسمية.
ونسبت صحيفة (العربي الجديد) عن المنشق السعودي غانم الدوسري القول إن ممدوح آل علي -الذي تتهمه الرياض بإطلاق النار على اللواء الفغم- كان من ضمن فريق من عملاء المخابرات ظلوا يتعقبونه في لندن.
ولأن المصائب لا تأتي فرادى، لفتت مجلة ناشونال إنترست في المقال الذي نحن بصدده إلى الحريق الهائل الذي شب في المحطة الجديدة لقطار الحرمين بالسليمانية في جدة ظهر الأحد.
ويقول تريتا بارسي إن ثمة تكهنات تشي بأن الحريق بالمحطة التي تكلف بناؤها 7.3 مليارات دولار من فعل عناصر داخلية مناوئة لمحمد بن سلمان.
وفي تطور للأحداث، كشف مكتب الرئيس الإيراني حسن روحاني يوم الاثنين عن رسالة تلقاها من السعودية. وفي اليوم التالي، أعلن مسؤولون عراقيون أنهم بصدد الإعداد للقاء سعودي إيراني مباشر.
وأبلغت راندا سليم مجلة ناشونال إنترست بأن العراقيين طالما سعوا لعقد اجتماع في بغداد بين الإيرانيين والسعوديين، مضيفة أن الطرفين يبديان الآن رغبة في انعقاد مثل هذا اللقاء.
وأعادت المجلة إلى الأذهان اللقاء العلني الذي جمع مسؤولين من الإمارات بنظرائهم الإيرانيين في أغسطس/آب الماضي، واصفة إياه بأنه يمثل “اختراقا دبلوماسيا كبيرا”. وما لبثت أن أعلنت الإمارات سحب قواتها من اليمن.
واعتبرت راندا سليم أن قرار الإمارات بالجهر بذلك اللقاء لا يعدو أن يكون رسالة واضحة موجهة للسعوديين -وللجميع- بأن الوقت حان لكي تعيد النظر في إستراتيجيتها القائمة على الاعتماد على الأميركيين للذود عنهم في مواجهة إيران.
ووفقا لسليم، فإن السعوديين أبدوا نفورا في بادئ الأمر من تبني نهج الإمارات، إذ “كان من العصب عليهم القبول بقرار أبو ظبي بشأن اليمن”.
مزيج من العوامل
وتابعت القول إن ثمة توجها لإعادة النظر في الإستراتيجية المتبعة -مشابها ما أقدمت عليه الإمارات- بدأ يتسرب إلى السعوديين فيما يتعلق بثقتهم في مدى استمرارية إدارة ترامب بتوفير الأمن لهم في حال تعرضوا لهجوم في المستقبل.
ومضى مقال ناشونال إنترست إلى القول إن السعودية تفقد باستمرار أصدقاء لها في واشنطن، وذلك بعد مرور عام على اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي على أيدي عملاء سعوديين في إسطنبول التركية.
وأشار كاتب المقال ماثيو بيتي إلى أن مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي من الحزبين الجمهوري والديمقراطي زادوا من ضغوطهم على السعودية لوقف حربها في اليمن.
وترى راندا سليم أن مزيجا من العوامل غير المتوقعة قد تُسرِّع وتيرة التفاوض مع إيران أو تنسفها. غير أنه من المؤكد -بنظرها- أن محمد بن سلمان لن يستطيع التعويل على الولايات المتحدة لإنقاذه في حال فشل سياساته تلك.
ويقتبس الكاتب عبارة لتريتا بارسي يقول فيها إن تبني الولايات المتحدة سياسة عسكرية “منضبطة” في منطقة الشرق الأوسط، وإطلاقها إشارات بأنها لن تخوض حربا نيابة عن حلفائها، من شأنه أن يدفع هؤلاء الحلفاء إلى استعادة اكتشاف فوائد الدبلوماسية.
وباعتقاد بارسي فإن السعودية لن تكون راغبة في اتخاذ الدبلوماسية نهجا لسياستها إذا ما ظنت أن أميركا ستحارب بالنيابة عنها.