الصحافة _ كندا
عاد لحسن السعدي، كاتب الدولة المكلف بالصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، إلى واجهة الجدل مجددًا، وهذه المرة ليس بسبب استراتيجية أو إصلاح منتظر، بل بسبب صفقة جديدة من المال العام تجاوزت قيمتها 200 مليون سنتيم مخصصة لمشاركة المغرب في معرض أمريكي لا تتعدى مدته ثلاثة أيام، في رواق لا تزيد مساحته عن 80 مترًا مربعًا!
الصفقة، التي أطلقتها مؤسسة “دار الصانع”، والمتعلقة بمعرض “Shoppe Object” بنيويورك ما بين 3 و5 غشت المقبل، حسب ما كشفته وثائق تتوفر عليها جريدة “الصحافة” الإلكترونية، تُعد حلقة جديدة من مسلسل الإنفاق العمومي المثير للتساؤل في قطاع يعاني من اختلالات هيكلية، وغياب دعم حقيقي للصناع التقليديين الذين تُركوا لمواجهة الأزمات بلا أدوات أو آفاق.
ففي الوقت الذي يُخصص فيه الوزير نصف مليار سنتيم لمعرض بالسعودية، ثم أزيد من 200 مليون سنتيم لمعرض مؤقت بأمريكا، تستمر شكاوى الحرفيين بشأن تأخر صرف الدعم، وغياب التمويل، وانعدام آليات الولوج للأسواق الداخلية والدولية.
فأي منطق يُبرر هذه الصفقات؟ وأي عائد يمكن أن يُقنع الرأي العام بصواب هذا النزيف المالي المتكرر؟
عدد من المهنيين وصفوا الخطوة بـ”التبذير غير المتناسب مع النتائج المحتملة”، معتبرين أن الأموال المخصصة لرواق صغير بثلاثة أيام كانت أولى بأن تُوجه لبرامج تكوينية، أو لدعم الإنتاج، أو لتطوير قنوات التسويق الرقمي التي أصبحت مفتاح بقاء للعديد من الصناعات التقليدية في زمن الأزمة.
المؤسف أن هذه المبادرة لم تكن مصحوبة بأي معطيات تهم تقييم الأثر أو حتى توضيح الأهداف المرجوة، مما يُعزز الشكوك في كون هذه المشاركات الخارجية أصبحت غطاءً لاستعراضات سياسية موسمية، وواجهات دبلوماسية شكلية، يتم من خلالها استنزاف المال العام في مقابل صور فوتوغرافية لا تسمن ولا تغني من جوع.
أكثر من ذلك، لا تزال رؤية 2030 الخاصة بتأهيل قطاع الصناعة التقليدية حبرًا على ورق، وسط بطء شديد في التفعيل، وانعدام قنوات التواصل مع الفاعلين المحليين، ما يجعل من وزارة السعدي مؤسسة غارقة في الانفصال عن واقع الحرفي اليومي.
فهل باتت المعارض الخارجية بديلًا عن الإصلاح؟
وهل تقاس إنجازات كاتب الدولة بعدد الأروقة التي دُشنت في الخارج، أم بعدد الحرفيين الذين أنقذتهم سياساته من الانقراض المهني؟
في غياب إجابات واضحة، تتعمق مخاوف الصناع من أن تتحول وزارة الصناعة التقليدية إلى مجرد وكالة للأسفار الرسمية، تُنفق الملايين بلا خريطة طريق، بينما الصناعة الوطنية تُحتضر في صمت.