الصحافة _ وكالات
يتجه المغرب نحو الاستناد إلى رؤوس الأموال المحلية من أجل التخفيف من التبعية للاستثمارات الأجنبية، التي راهنت عليها السياسة الصناعية الحالية المقرر الانتهاء من العمل بصيغتها الحالية في 2020.
وحسب بيانات رسمية، ما زالت مساهمة الصناعة في الناتج الإجمالي المحلي ضعيفة، ما يساهم في هشاشة النمو الاقتصادي الذي لا يتعدى 4 في المائة.
وتأتي المطالبة بتشجيع الرأسمال المحلي في ظل انكباب وزارة الصناعة والتجارة، على إعداد خطة صناعية جديدة يسعى إلى الاسترشاد بها في الخمسة أعوام المقبلة، من أجل استيعاب التحولات التي تعرفها الصناعة في العالم واستقطاب مستثمرين دوليين.
ويؤكد مصدر من مكتب وزير الصناعة والتجارة والاستثمار والاقتصاد الرقمي، مولاي احفيظ العلمي، لـ”العربي الجديد”، أن المخطط الذي سيغطي الفترة بين 2021 و2025، سيتجه نحو إدماج المستجدات المرتبطة بالتكنولوجيات الحديثة والبحث والتطوير. وشدّد المصدر، الذي رفض ذكر اسمه، على أن التوجه الجديد يراد منه توظيف الرأسمال الوطني أكثر في النسيج الاقتصادي الصناعي المحلي.
ويشتكي صناعيون من تراجع مساهمة المستثمرين المحليين في تحفيز القطاع، حيث انتقلت من 3.2 مليارات دولار في 2014 إلى 1.8 مليار دولار في 2017، حسب بيانات المندوبية السامية للتخطيط (حكومية)، ما يدفعهم إلى التشديد على أن المملكة نجحت في جذب الرأسمال الأجنبي وفشلت في استقطاب الرأسمال المحلي.
ويعبر مستثمرون محليون عن امتعاضهم من الازدواجية في التعاطي معهم مقارنة بنظرائهم الأجانب، الذين يتمتعون بامتيازات وضرائب محفزة وأسعار طاقة، حيث يعتبر سعر الكهرباء في المنطقة الحرة بطنجة منخفضا.
ويعتبر مهنيون أن المناطق الصناعية التي تتلقى المشاريع، لا يفترض أن تنحصر في المناطق الكبرى مثل الدار البيضاء والقنيطرة وطنجة، حيث يدعون إلى ضرورة شمولها لأماكن أخرى تفتقد لأي نشاط صناعي.
ويوصي رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي (حكومي)، أحمد الشامي، الصناعيين بالتعويل على إمكانياتهم وعدم المراهنة على الإدارة، والاستثمار أكثر في القطاعات المهمة مثل السيارات والإلكترونيات والطيران، التي جذبت مستثمرين أجانب أكثر من المحليين.
وتتصور المندوبية السامية للتخطيط، أنه لا يجب الارتهان للقطاعات التي يتضمنها المخطط الصناعي، حيث يفترض الاستناد إلى منتجات يتوفر المغرب على خبرة كبيرة فيها، إذ أحصت حوالي 3500 منتج يمكن أن تتيح للمغرب فرصاً لتلبية احتياجات السوق المحلية وفتح أسواق خارجية.
ويأتي تشديد المندوبية على تنويع المنتجات المصنعة، في ظل تأكيد المندوب السامي أحمد الحليمي، في تصريحات صحافية سابقة، على ضرورة توفير منتجات تكميلية من أجل تحسين تنافسية النسيج الإنتاجي المحلي، معتبرا أن الإنتاج الآتي من صناعة السيارات والطيران، لا يتوفر على محتوى تكنولوجي كاف ولا ينتج ما يكفي من فرص العمل المؤهلة.
ويعتقد المركز المغربي للظرفية في آخر تقرير له أنه بدون تصنيع لا يمكن أن يتوفر المغرب على قوة ضاربة في مجال التصدير، مشيرا إلى أن ذلك يؤكده ضعف حصة الصناعة في الناتج الإجمالي المحلي الذي يستقر في حدود 14 في المائة، هذا في الوقت الذي يتوقع مخطط الصناعة رفع تلك الحصة إلى 23 في المائة.
ويعتبر المركز أن تحفيز النمو يقضي تغيير نموذج العمل، عبر قبول المخاطرة، ما يستدعي نوعا من تحديث السلوكيات في هذا المجال.
ويؤكد الخبير الاقتصادي محمد الشيكر في حديثه لـ”العربي الجديد”، أنه لا يفترض في المغرب أن يسعى إلى التوفر على صناعات عبر الأجانب بشكل كبير، بل يتوجب عليه الانخراط في مسلسل للتصنيع الذي يساعد على وضع لبنات قطاع محلي متحكم في تفاصيل الصناعة، مشددا على أنه في حال جذب الأجانب يجب التركيز على نقل التكنولوجيا عوض المراهنة على خلق فرص العمل فقط.
ويشدد الشيكر على أن التصنيع يجب أن يرتبط بالبحث العلمي والتطوير، ما يقتضي التركيز على تطوير التعليم، معتبرا أن البلدان التي ركزت على التصنيع المحلي وليس جذب صناعات فقط، تمكنت من رفع مستوى تنافسيتها، عبر إنتاج منتجات ذات جودة عالية، فبلدان صاعدة تمكنت من توفير سيارات من صنعها بفضل الابتكار وفرض نقل التكنولوجيا على المصنعين الأجانب.
ويتصور خبراء اقتصاد أن ارتفاع معدل البطالة بين الشباب من الخريجين وحاملي شهادت التدريب الفنية، يعزى في جزء منه إلى ضعف الصناعة، التي لم تخلق في النصف الأول من العام الجاري سوى 43 ألف فرصة عمل، حسب المندوبية السامية للتخطيط.