الصحافة _ كندا
بينما كان وزير الصحة والحماية الاجتماعية، أمين التهراوي، يُدلي بتصريحات متفائلة في جنيف حول “نجاحات المغرب” في مجال تمويل الصحة وتوسيع التغطية الصحية، كان الواقع الميداني داخل المستشفيات العمومية ومراكز العلاج الأساسية يقدم صورة نقيضة تماماً، لا تخطئها أعين المرضى ولا أنين المشتكين من هشاشة المنظومة.
في مداخلته خلال الورشة الوزارية رفيعة المستوى التي نظمها المركز الإفريقي لمكافحة الأمراض، قال التهراوي إن المغرب خفف العبء المالي عن الأسر، ورفع ميزانية وزارة الصحة إلى 32,6 مليار درهم في 2025، أي ما يعادل 7.2% من الميزانية العامة. لكن ما لم يقله الوزير أن هذه الزيادات لم تنعكس بعد على جودة الخدمات، ولم تُخرج قطاع الصحة من عنق الزجاجة، حيث لا تزال أقسام المستعجلات عاجزة عن تلبية أبسط الحاجيات، ونقص الأطر والأدوية بات مشهداً يومياً في مختلف الجهات.
الوزير تحدث عن نماذج تمويل “هجينة ومهيكلة”، وعن “شراكات ناجحة مع القطاع الخاص”، دون أن يُوضح كيف تزايدت أرباح مصحات تجارية على حساب جيوب المواطنين، وكيف أن ملايين المغاربة المنخرطين في نظام التأمين الإجباري ما زالوا يجدون أنفسهم مضطرين إلى الدفع المسبق أو الانتظار لأشهر من أجل الاسترجاع، في مشهد يُفرغ “التغطية الشاملة” من مضمونها.
أما الإشارة إلى السيادة الصحية للقارة الإفريقية، فهي عنوان جذاب لا يُخفي أن المغرب نفسه لم يحقق بعد سيادته الدوائية، ولا يزال يعتمد على الاستيراد في تأمين حاجياته من المعدات والأدوية الأساسية، بل إن أي أزمة صغيرة في السوق الدولية قد تُربك منظومته الصحية بالكامل، كما أظهرت الجائحة.
وبينما يشدد الوزير على “الاستدامة وقابلية التنبؤ”، فإن العاملين بالقطاع يعيشون على وقع احتقان اجتماعي، وتأخر الترقيات، وغياب التحفيز، في مقابل انخراط سياسي في الواجهات الدولية، لا يُقابله تحصين داخلي للقطاع الصحي الوطني.
لقد أصبح من السهل اليوم، في المحافل الدولية، الحديث عن التغطية الصحية الشاملة ورفع الميزانيات. لكن التحدي الحقيقي يكمن في القدرة على إحداث تغيير ملموس في حياة المواطنين: في القرى، في الأحياء الهامشية، في مراكز التوليد المهجورة والمستوصفات المغلقة.
فهل يكفي الحديث عن الأرقام لتغطية أعطاب بنيوية مزمنة؟أم أن ما تحتاجه المنظومة الصحية فعلاً هو الصدق في تشخيص أعطابها، قبل التباهي بما لم يتحقق بعد؟