مصطفى التراب.. المطلوب رقم واحد في لعبة النفوذ الصامتة

10 مايو 2025
مصطفى التراب.. المطلوب رقم واحد في لعبة النفوذ الصامتة

الصحافة _ بقلم: أيوب أكني

ما بين مقالة تتهمه بتحويل المكتب الشريف للفوسفاط إلى ضيعة شخصية، وأخرى تصفه بباني معجزة اقتصادية وطنية، يجد مصطفى التراب نفسه في عين عاصفة إعلامية غير مسبوقة، لا يبدو أنها بريئة في أهدافها ولا عفوية في توقيتها. رجل قاد واحدة من أهم التحولات في تاريخ المقاولات الكبرى بالمغرب، بات فجأة هدفًا مكشوفًا لحملة متعددة الواجهات، تطرح أكثر مما تجيب: لماذا الآن؟ ومن يزعجه نجاح التراب؟

منذ توليه قيادة المجموعة سنة 2006، نقل التراب الفوسفاط من مرحلة الخروج الخام إلى الاستثمار الصناعي، من تصدير المادة إلى تصدير المعرفة، من شركة متآكلة إلى عملاق عالمي في الأسمدة والبحث العلمي والطاقات المتجددة. لم يكن الأمر صدفة، بل رؤية مدروسة، مشفوعة بعمل متواصل على إعادة بناء المؤسسة من الداخل، عبر تدبير حديث، واستقطاب كفاءات عالية، وتحول في التموضع الدولي.

ومع ذلك، فجأة، يتحول هذا المسار إلى “ملف” ثقيل، تُفتح فيه دفاتر التنقلات والصفقات والبنايات. يُقدّم التراب وكأنه استبدّ بالمؤسسة، ونسج حوله دائرة مغلقة، وأبعد المؤسسة عن دورها الأصلي، في حين أن كل المؤشرات الاقتصادية والتقنية تؤكد العكس: ارتفاع في رقم المعاملات، توسع في السوق، استقلالية في التمويل، حضور مؤثر في قارات صاعدة، مشاريع في التعليم والبحث والتنمية المستدامة، دون أن تُكلف ميزانية الدولة درهماً واحداً.

ما لا يُقال في الحملة، أن ما يزعج البعض ليس طريقة التدبير، بل طبيعة الإنجاز. أن تنجح مؤسسة عمومية في التموقع العالمي، أن تصبح منصة لتكوين النخب، أن تؤثر في السياسات الفلاحية والأمن الغذائي، أن تقود مشاريع استراتيجية، فهذا أمر لا يمر دون حساسية. حين يتقدم الأداء على الانتظار، وتُبنى المشاريع خارج النمطية المعتادة، تظهر تلقائيًا من يعتبر ذلك تهديدًا لترتيبات معينة.

منهجية التراب في العمل قائمة على الكفاءة والاستباقية والتموقع الدولي. لكنها أيضاً تثير الحذر لدى من اعتادوا على مقاولات بلا صوت، ومؤسسات بلا طموح. حين تُستثمر عشرات المليارات في الطاقات النظيفة، والتعليم العالي، والماء، والبنية التحتية، قد يُطرح السؤال الخطأ: لماذا كل هذا؟ بدل السؤال الصحيح: لماذا لم يحدث هذا منذ عقود؟

تراب ليس بلا عيوب. فاختياراته الاتصالية محدودة، ودوائره مغلقة، ومستشاروه ليسوا دائماً في مستوى التحديات. ولكن تحويل هذه الهفوات إلى مبرر لتدمير نموذج ناجح هو قصر نظر سياسي واقتصادي. فالقضية هنا ليست مرتبطة بشخصه فقط، بل بموقع المؤسسة، ووزنها، وطموحها، وحجم ما باتت تمثله في خريطة القطاعات الحيوية.

الهجوم المتجدد على التراب ليس الأول من نوعه. قبل سنوات، راجت إشاعات عن نقله إلى مناصب سياسية، فقط لإبعاده من الفوسفاط. اليوم، نفس الجهات عادت بأسلوب آخر: تشكيك، تضخيم، تسريبات، وتحليلات موجهة. لكن ما لم يُفهم بعد، هو أن تجربة OCP تحولت إلى رمز: رمز لمقاولة قادرة على إعادة تعريف النجاح، ورمز لكفاءات يمكنها أن تنافس عالميًا دون وساطة أحد.

من يريد رأس التراب؟ ربما من اعتاد أن تبقى المؤسسات الكبرى رهينة التسيير الرمزي، والمشاريع المعلّقة، والنجاحات الوهمية. من تعوّد على مناصب تُعطى لا تُنتزع بالكفاءة. من يرى في أي تجربة رائدة مرآة لفشله، لا فرصة للبلاد. ما يحدث اليوم ليس نقاشاً حول التسيير، بل اختبار حقيقي لمدى استعدادنا لحماية ما يُبنى فعلاً على أسس قوية، بعيداً عن الحسابات الصغيرة، ومنطق الإزاحة، والمناورات الرخيصة.

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص المحتوى والإعلانات، وذلك لتوفير ميزات الشبكات الاجتماعية وتحليل الزيارات الواردة إلينا. إضافةً إلى ذلك، فنحن نشارك المعلومات حول استخدامك لموقعنا مع شركائنا من الشبكات الاجتماعية وشركاء الإعلانات وتحليل البيانات الذين يمكنهم إضافة هذه المعلومات إلى معلومات أخرى تقدمها لهم أو معلومات أخرى يحصلون عليها من استخدامك لخدماتهم.

اطّلع على التفاصيل اقرأ أكثر

موافق