فاتح ماي 2025.. حين تحوّل عيد الشغل إلى جنازة نقابية في قلب العاصمة

1 مايو 2025
فاتح ماي 2025.. حين تحوّل عيد الشغل إلى جنازة نقابية في قلب العاصمة

الصحافة _ كندا

ما شهدته مدينة الرباط هذا العام بمناسبة فاتح ماي لم يكن احتفالًا بعيد الشغل بقدر ما كان مشهدًا جنائزيًا صامتًا، أعلن بشكل غير رسمي موت العمل النقابي في المغرب، أو على الأقل دخوله مرحلة احتضار مقلقة. فالعاصمة، التي كانت لعقود معقلًا للتظاهرات النقابية الحاشدة، بدت هذا الصباح وكأنها تودع زمنًا مضى، زمن كانت فيه المنصات تهتز تحت أقدام آلاف العمال، وتصدح فيها الحناجر دفاعًا عن الحقوق والكرامة. أما اليوم، فلا حضور ولا حماس ولا حتى وهم احتفال.

المشهد كان صادمًا بكل المقاييس. المنصات النقابية التي نصبت في قلب الرباط لم تجد من يتحلق حولها، وعدد المشاركين لم يتجاوز بضع عشرات في بعض الحالات. بعض المركزيات النقابية، المعروفة بتوفرها على دعم مالي ولوجستي من الدولة، لم تنجح حتى في تعبئة 40 شخصًا، واضطرت إلى مناشدة المارة والمتجولين عبر مكبرات الصوت للاقتراب من المنصة، في محاولة يائسة لتغطية الكراسي الفارغة التي تحولت إلى رمز صارخ للفشل.

أما الحضور الأمني، فكان لافتًا وكثيفًا، بل تجاوز أحيانًا عدد المشاركين، في مشهد يعكس حجم الخيبة التي أصبحت تلازم هذه المناسبة، والتي تحولت من يوم احتجاجي صاخب إلى مجرد عطلة رسمية بلا روح. في حدود الساعة الحادية عشرة صباحًا، كانت بعض الساحات التي اعتادت أن تعج بالعمال قد خلت تقريبًا، بينما صدحت بعض مكبرات الصوت بشعارات باهتة، يرددها نقابيون فقدوا بدورهم الإيمان بجدوى وجودهم، يصرخون في فراغ لا يرد عليه أحد.

الشعارات نفسها، الوجوه ذاتها، الخطابات المكررة منذ عقود… كل شيء بدا قديمًا ومتجاوزًا، وكأن الزمن توقف عند مرحلة ما لم يعد فيها المواطن يصدق أحدًا. الغلاء الفاحش، انسداد أفق الحوار الاجتماعي، المماطلة في إصلاح التقاعد، وانهيار الثقة في المؤسسات التمثيلية كلها أسباب عمّقت الفجوة بين النقابات والطبقة العاملة. لم يعد أحد يرى في النقابات مدافعًا حقيقيًا عن الحقوق، بل صارت تُنظر إليها كجزء من المشكلة، لا من الحل.

اللافت أكثر هو بروز التنسيقيات المستقلة كبديل واقعي بدأ يملأ الفراغ الذي خلّفه انسحاب النقابات من المشهد. هؤلاء ينظمون أنفسهم خارج الإطارات التقليدية، ويعبرون عن مطالبهم بلغة مختلفة، ووسائل جديدة، وهو ما يعكس تحوّلاً بنيويًا في أشكال التمثيل العمالي.

هكذا، مرّ فاتح ماي هذا العام دون أن يشعر به أحد تقريبًا. لا احتفال، لا تعبئة، لا مطالب جديدة، فقط ذكرى باهتة لمناسبة فقدت بريقها، ونقابات تعاني من عزلة غير مسبوقة. في الرباط، بدت شوارع العاصمة هادئة أكثر من المعتاد، وكأنها تواسي النقابيين في جنازة لا مشيعين لها.

هل يمكن للنقابات أن تُبعث من جديد؟ أم أن زمنها قد ولى إلى غير رجعة؟ سؤال يفرض نفسه بإلحاح، وسط صمت العمال، وانسحاب الأجراء، وتواطؤ الزمن ضد من لم يتجدد.

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص المحتوى والإعلانات، وذلك لتوفير ميزات الشبكات الاجتماعية وتحليل الزيارات الواردة إلينا. إضافةً إلى ذلك، فنحن نشارك المعلومات حول استخدامك لموقعنا مع شركائنا من الشبكات الاجتماعية وشركاء الإعلانات وتحليل البيانات الذين يمكنهم إضافة هذه المعلومات إلى معلومات أخرى تقدمها لهم أو معلومات أخرى يحصلون عليها من استخدامك لخدماتهم.

اطّلع على التفاصيل اقرأ أكثر

موافق