الصحافة _ كندا
في مشهد يعكس هشاشة الجدار الرقمي للمؤسسات العمومية، توقف الموقع الرسمي لوزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات عن العمل صباح الأحد 13 أبريل 2025، في حادثة تثير الكثير من التساؤلات، وتعزز فرضية تعرضه لهجوم سيبراني، يُرجّح أنه يحمل بصمات جزائرية، ضمن موجة متصاعدة من الاختراقات التي تطال مواقع حيوية مغربية.
رسالة جافة تظهر للمستخدمين: “لا يمكن الوصول إلى هذا الموقع لأسباب تقنية”. لكنها رسالة تقول الكثير بصمتها، وتكشف أن الأمر يتجاوز مجرد عطب عابر. فالتوقف يأتي في سياق سلسلة ضربات رقمية استهدفت مؤسسات حكومية أخرى، من بينها مديرية الضرائب، والموقع الرسمي للوزارة المنتدبة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان، ما يؤشر إلى احتمال وجود تنسيق متقدم خلف هذه الهجمات.
الخبراء يدقون ناقوس الخطر. الطيب الهزاز، خبير الأمن السيبراني، اعتبر ما يجري مؤشراً خطيراً على فشل البنية التحتية الرقمية في صدّ الهجمات، مشدداً على أن التحركات الحكومية لا توازي حجم التهديد، في ظل مؤشرات قوية على أن الهجمات لا تزال في بدايتها، وأن القادم أعقد. وحذّر الهزاز من استمرار هذا المسلسل دون مراجعة جذرية لأمن المواقع العمومية، مشيراً إلى أن بعض الهجمات تُدار انطلاقاً من مجموعات سيبرانية مدعومة من الجزائر، تمتلك امتدادات خارجية، وتعمل بتقنيات يصعب تعقّبها.
ولأن الخطر لم يعد افتراضياً، بل واقعاً يتسرب من خيوط الشبكة، يلفت حسن خرجوج، خبير التطوير المعلوماتي، إلى أن الهجمات الأخيرة محكومة بخطة متقدمة تُعرف باسم “Kill Chain”، ترتكز على تشتيت الدفاعات التقنية عبر ضربات متزامنة: من اختراق قواعد البيانات، إلى هجمات حجب الخدمة، مروراً بتقنيات التسلل المتواصل عبر أبواب خلفية، وانتهاء ببرمجيات الفدية والتلاعب بالبيانات والتجسس طويل الأمد.
ليست مجرد معركة أرقام وملفات، بل حرب ناعمة تُخاض في الظل، حيث تتحول البيانات إلى رهائن، والمعلومات إلى أسلحة. والأخطر من ذلك أن الهجمات لا تهدف فقط إلى التخريب، بل إلى الإنهاك، عبر شلّ حركة الخوادم، واستنزاف الفرق التقنية، وإرباك القرار السيادي.
وبينما يستعد المغرب لاحتضان أحداث دولية كبرى، مثل كأس إفريقيا وكأس العالم، يبدو أن أمنه السيبراني بات على المحك، وأن الرسالة التي تبعثها هذه الهجمات مزدوجة: من جهة استعراض القوة، ومن جهة جسّ نبض الرد المغربي. فهل تملك الحكومة ما يكفي من الحزم والسرعة لمواجهة التهديد؟ أم أن “مغرب رقمي 2030” سيبقى شعاراً هشّاً في زمن الحروب الرقمية الذكية؟
ما يُخشى الآن أن يتحول كل موقع حكومي إلى “باب مفتوح”، وكل معطى شخصي إلى ورقة ضغط، وكل فشل في الحماية إلى نصر سيبراني يُروّج له إعلام الخصوم. فالمعركة بدأت، والخطر لم يعد قادماً.. بل هو هنا، يتسلل في صمت، ضاغطاً على مفاتيح الدولة من حيث لا تُرى.