بقلم: الحسن زهور*
إلى الذين يريدون إغراق بلدنا في مستنقع الشرق نقول: هنا نحن باقون منافحون عن هذا الوطن متدثرون بهويته وفي صلبها الأمازيغية، وحاملون لمشاكله ولمآسيه، وناثرون أفراحه و أعياده لتتزين بها هذه الأرض، وصائنون لتاريخه ولثقافته الممتدين مئات القرون قبل الميلاد، ولن ندعه لكم لتحملوه أوزار الشرق و لتدفعوه إلى مستنقعاته وأتونه لنكتوي بنيرانه..
إلى الجماعات الإيديولوجية والسياسية المغربية التي تستغل الآن مشاكل مصر الداخلية كما استغلت مآسي الفلسطينيين( منقسمين بذلك بين غزة الإسلامية ورام الله القومية) للزج ببلدنا في أتون مشاكل ونزاعات الشرق الأوسط وفي نفس الوقت لاستغلالها في صراعها السياسي الداخلي لكسب مكاسب انتخابية وورقة ضغط سياسية: نقول دعوا مصر للمصريين واهتموا بمشاكلكم و بقضاياكم الوطنية وبتنمية بلدكم المغربي.
السياسية التي اكتسحت بعض المواقع المغربية للزج بالمغرب في المشاكل السياسية لمصر الآن، هي نموذج من النماذج التي تورط فيها هذه الجماعات السياسية المغاربة في قضايا ومستنقعات لن تجر إلا الكوارث لبلدنا.
آخر هذه الحملات هي الزج بالمغرب في مشاكل مصر بالدعاية وبالتحريض، وأخيرا بربط والدة الرئيس السيسي بـ “أصولها” – الذي ادعاه نسابة الإفك السياسي- اليهودية المغربية.
ولا يمكن فهم ما يهدف إليه أصحاب هذه الحملة في بعض المواقع الالكترونية داخل المغرب وخارجه بمعزل عن الصراع السياسي والإيديولوجي داخل المغرب، وبفهم الصراع الخفي الآن بين التيار الإخواني العالمي وبين المغرب، مع أن الإخوان في المغرب ما زالوا في مواقع تسيير الأمور الحكومية منذ 2011 .
فرغم الخدمات التي قدموها للسلطة في تمريرهم الكثير من الأمور والقضايا الملتهبة التي لم تستطع الحكومات السابقة الاقتراب منها مخافة الاكتواء بلهيبها، فما زالت إيديولوجيتهم السياسية و الخفية غير مؤتمنة الجانب.
إن ربط الصلة بين والدة الرئيس المصري المتوفاة سنة 2015 ببلدنا المغربي و بـ”أصلها اليهودي” كما تروج لها المواقع الإخوانية داخل المغرب وخارجه؛ هي حملة لتشويه صورة السيدة المتوفاة بتشويه الصورة السياسية لابنها كحاكم مصر، وفي نفس الوقت تشويه لصورة المغرب بزجه في المشاكل الداخلية لهذا البلد؛ ولا داعي للتذكير بالرمزية التحقيرية والعنصرية لصفة “اليهودية” لدى من تأثروا بالفكر الديني السياسي، وعند التيار القومي المغربي (و لا زلت أتذكر شعارا سياسيا أطلقه أتباع أحد الٱحزاب اليسارية الكبرى بٱكادير في تجمع خطابي ضخم أثناء الانتخابات البلدية بحي بيكاران بأكادير : ” بيكاران عربية لتسقط الصهيونية” في وجه منافس لهم وهو رجل أعمال يهودي مغربي أكاديري،و رغم ذلك فاز في الانتخابات.
ولفهم هدف هذا التيار السياسي الذي يقف وراء ربط أصول والدة الرئيس السيسي- الذي يعتبر الآن العدو اللدود للإخوان المسلمين- باليهودية المغربية، لا بد من وضع هذا الهدف في إطاره الزمني والذي يتزامن مع محاكمة الصحفية الريسوني ابنة أخ الريسوني رئيس الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين ذي التوجه الإخواني.
ومع أن محاكمة الصحفية يجب وضعها أصلا في إطار محاولة بعض الأجهزة بالمغرب لتكبيل و تقزيم مجال الحقوق الشخصية بالبلد و بمساندة من الاسلاميين و المحافظين ، فما قامت به الصحافية يدخل ضمن حريتها الشخصية، و كان الإعتقال مناسبة مهمة لينخرط الإسلاميون ضمن الحملة الحقوقية لتوسيع الحريات العامة بالمغرب بدلا من تقييدها كما فعلوا في قضية الإجهاض و في غيره…. وفتح نقاش فكري و حقوقي وسياسي لتوسيع مجال الحريات الفردية ببلدنا ؛بدلا من تسييس القضية داخليا ليمتد التسييس إلى الخارج، فيتخذ هذا التسييس الخارجي أقنعة مختلفة للضغط وتمرير رسائل سياسية مسخرة في ذلك بعض المواقع الخارجية وأتباعها بالداخل لربط والدة الرئيس السيسي باليهودية وبالمغرب.
وإذا علمنا أن الحملة الإعلامية المكثفة الآن على مصر تتزعمها قطر وتركيا وجماعة الإخوان المسلمين وذراعها الدعوي العالمي الذي يتراءسه الريسوني؛ سنفهم سبب ربط والدة السيسي المتوفاة باليهودية و بالمغرب و بمحاكمة الصحافية الريسوني، فهي إذن رسالة سياسية من تيار داخل الإخوان في ربط الإثنين( أم السيسي و المغرب) بالصهيونية لتصفية حسابات سياسية متعلقة بالمغرب.
هي رسالة إذن من الجماعة عبر التشهير السياسي التي استخدمت فيه أخبث الوسائل وهي اللمز و الهمز اللاأخلاقي، لأن أغلب الجماعات الدينية السياسية لا تميز بين اليهودية والصهيونية لسبب ايديولوجي سياسي وهو استغلالها البعد الديني السلبي لليهودية في المخيال الإسلاموي، خلافا للتمييز العقلاني الذي يميز بينهما حين يعتبراليهودية ديانة والصهيونية ايديولوجية عنصرية، لكن الجماعات الإسلامية لا تميز بين الأمرين سواء كانت سنية أو شيعية ( الحوثيون الشيعة في اليمن يرفعون بدون خجل شعار: الموت لليهود..).
نقول للإخوان إن اللمز بالأصل اليهودي المغربي فخر لنا لأننا بلد الحضارة الذي عرفت اليهودية منذ ألفي سنة، وبعدها المسيحية ثم الإسلام، وفي نفس الوقت هو مهد الحضارة الإنسانية وموقد شعلتها في سراج الحضارة الفرعونية، وعلماء التاريخ يعرفون هذا.
ذ. الحسن زهور: كاتب ومحلل سياسي