الصحافة _ كندا
في سابقة خطيرة، تعرّض الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي يوم 8 أبريل 2025 لهجوم سيبراني غير مسبوق، أسفر عن تسريب معطيات حساسة تخص نحو مليوني مغربي، في واقعة وُصفت من قبل الخبراء بـ”نقطة تحول” في تاريخ الأمن السيبراني بالمغرب. الحادث، الذي استهدف واحدة من أبرز المؤسسات الاجتماعية التابعة لوزارة الاقتصاد والمالية، وضع السياسات الرقمية المعتمدة تحت مجهر المساءلة، وأعاد طرح سؤال الحوكمة والمسؤولية على مديرية المؤسسة ومقدّمي خدماتها.
عماد البركة، رئيس مركز ديلويت المغرب للأمن السيبراني، أكد أن القراصنة نجحوا في سرقة 54 ألف ملف يضم معطيات تخص أكثر من 500 ألف شركة ومليوني منخرط، من بينها الأسماء الكاملة، أرقام البطاقة الوطنية، تفاصيل الحسابات البنكية، وعناوين البريد الإلكتروني وأرقام هواتف مسؤولي الشركات. ويؤكد البركة أن خطورة العملية لا تكمن فقط في حجم البيانات المُسرّبة، بل في الرمزية العميقة لاختيار مؤسسة اجتماعية كهدف للهجوم.
فيما اعتبر علي موطيب، الخبير في الذكاء الاقتصادي، أن هذا الحادث يكشف هشاشة البنية الرقمية لمؤسسات عمومية لا تزال بعيدة عن مواكبة التهديدات السيبرانية الحديثة. وأشار إلى أن التحقيقات ما تزال جارية ولم يتم بعد تحديد الجهة المسؤولة عن الهجوم، رغم حديث الناطق الرسمي باسم الحكومة عن “جهات معادية تسعى للتشويش على نجاحات المغرب الدبلوماسية”، في تلميح واضح إلى أبعاد سياسية محتملة.
الشق القانوني لا يقلّ حساسية عن التقني. فوفق أحد خبراء الأمن السيبراني، قد يتحمّل الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي تبعات مدنية أو حتى جنائية، بسبب “عدم الالتزام بواجب الاحتياط”، وهو ما قد يشمل أيضاً شركات المناولة في حال ثبوت تورطها. وتُطرح فرضية فتح الباب أمام دعاوى قضائية جماعية، ما يُنذر بسابقة قانونية قد تغيّر مشهد الحماية الرقمية في البلاد.
ورغم إشادة الخبراء بالجهود المبذولة من قبل المديرية العامة لأمن نظم المعلومات، التابعة لإدارة الدفاع الوطني، فإن النقد وُجه بشكل مباشر إلى المؤسسات العمومية والخاصة التي لم تتخذ التدابير الوقائية اللازمة، رغم التحذيرات المتكررة. علي موطيب طالب، بدوره، بإجراءات أكثر صرامة ضد الشركات التي تستهين بأمنها السيبراني، أسوة بما يجري في دول الاتحاد الأوروبي حيث تُفرض عقوبات فعلية على كل من يتهاون في حماية بيانات المواطنين.
الهجوم ليس مجرد عملية اختراق تقني، بل صدمة سيادية تضرب في عمق ثقة المواطنين بالمؤسسات، وتُظهر أن زمن الاستخفاف بالتحصين الرقمي قد ولى. المغرب، الذي عزز حضوره الجيوسياسي والدبلوماسي في السنوات الأخيرة، بات اليوم مطالباً بترسيخ أمنه الرقمي كجزء من أمنه القومي.