عزيز إدامين
خبير حقوقي مغربي مقيم في باريس
نشر الصحافي يونس دافقير مقالا بعنوان “تدويل القضايا الحقوقية ليس منتجا” بتاريخ 20 من هذا الشهر، وملخص مقاله المستند على مقولة للنائبة البرلمانية السابقة سعاد الشيخي بكون التدويل ليس حلا ولكنه “هدفه المزيد من التأزيم”.
اعتبر الصحافي في مقاله التحليل أن السياق الدولي لم تعتد فيه ورقة حقوق الانسان ذات أهمية، منبها أن تدوينة واحدة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب يمكنها أن تنسحب من جميع الاتفاقيات الدولية، وأضاف أن المنتظم الدولي لم يستطع معاقبة الرئيس التركي طيب أردوغان بعد الانتهاكات التي قام بها بعد فشل محاولة الانقلاب عليه، وهو نفس الإفلات من العقاب بخصوص مقتل الصحفي خاشقجي، وفي محاججته حول ضعف تأثير المنظمات الحقوقية الدولية على القرار الوطني للدول، أن تقاريرها (أي المنظمات الدولية) أصبحت تخضع لتقريع مهني من قبل الحكومات، وفي الأخير يرى صاحب المقال، أو يلمح، أن المدافعين عن حقوق الانسان أمام الهيئات الأممية مصالحهم ظرفية لكون الرهان يبقى على المستوى الوطني من خلال أجهزة القضاء والأنظمة القانونية الداخلية.
لن تكون هذه المقالة مرافعة للدفاع عن حق أصلي، فالحق لا يحتاج تأشيرة المرور، بل محاولة بيداغوجية لتفسير عدد من الإشكاليات الحقوقية من جهة، ومن جهة أخرى الرهانات الوطنية والدولية في مسار تعزيز حماية حقوق الإنسان وسيادة الدول.
من المحاور أو المخاطب في المغرب؟ أو بمعنى آخر ما هي المؤسسة أو المؤسسات (حكومة، برلمانا، قضاءا، منتخبون، ممثلي السلطة الإدارية ..) التي يمكن أن يطمئن إليها الفاعل المدني أو المواطن المغربي، ويجد عندها جواب لتظلمه أو لترافعه أو لمطالبه التشريعية أو مقترحاته في السياسات العمومية؟ إنه سؤال المنطلق الذي نبحث له عن أجوبة!!
أولا: على مستوى التحولات الدولية والاقليمية
يلاحظ على المستوى الدولي والإقليمي تراجع موقع “حقوق الإنسان” في ذيل الأجندة الدولية، والعامل الأول متعلق بوصول رجل المال والأعمال تونالد ترامب لرئاسة الإدارة الأمريكية، والعامل الثاني تنامي صعود اليمين المتطرف المناهض للهجرة والأجانب في عدد من الدول الأوربية، وحل محل الدفاع عن قيم الحرية والديمقراطية، قيم المال والاقتصاد والسوق والشغل …
لكن هذه المرحلة عابرة ولن تدوم أطول، لكون الأجندة الدولية في تحول مطرد، تتغير بتغيير القوى والموازين الدولية، فلا العقلية “الترامبية” المالية ستسيطر على العلاقات الدولية ولا اليمين المتطرف سيحضى بتغيير الرواسب التاريخية والبنية الثقافية الأوروبيتين القائمتين منذ الثورة الفرنسية كمثال على الحرية والمساواة والتآخي، ولا القيم الألمانية النابذة للعنف والمتسحلة بقيم التسامح…
السينما الأمريكية الجد متطورة تعتبر جزء من بناء العقلية الأمريكية والمستقبل الأمريكي، ففي بدايات الألفية الثالثة أنتجت عشرات الأفلام عن الرجل ذي البشرة السوداء الذي سيحكم أمريكا (Head of State) ، وفي بداية العشرية الأولى تناولت موضوع الشعبوية والمال الذي يدبر أمر الأمريكيين (سلسلة designated survivor ، رسوم المتحركة سيمبوسون …)، وفي سنة 2018 و2019 عشرات الأفلام حيث جسدت سيدة البيت الأبيض المنقذة للشعب الأمريكي من أهوال الحروب أو الكوارث الطبيعية، أو شخصية “المرأة المثلية” الحاكمة الجديدة للعالم (السيدات الأول.)، (Hunter Killer)…
في العدد الأخير لشهر غشت نشرت الجريدة العالمية لومند ديبلوماتيك مقالا تحت عنوان ” la gauche cannibale un syndrome universitaire “
ملخص المقال أنه يتناول دور اليسار الأمريكي الذي يقف في الخط الأمامي لمعارضة الرئيس دونالد ترامب وسياساته الاقتصادية والاجتماعية وتصريحاته العنصرية، وهؤلاء الطلبة متسلحون بثقافتهم السياسية في البيئة الاجتماعية التي تنتج مهن ليبرالية وإدارة عليا أكثر من الموظفين والعمال ، حيث تلعب المؤسسات الجامعية العليا التي درسوا فيها دورا يتجاوز التدريب المهني، بل يستثمرون مجهودهم في الجامعة كمديرين تنفيذيين في مستقبل الاتصالات والتكنولوجيا. وتضيف الجريدة أن العلاقات بين هؤلاء الطلبة البعيدة عن السلطة الأبوية ، وعيشهم بشكل مستقل في الحرم الجامعي ، تسمح لهم بأن يشكلوا شبكة علاقات قوية في المستقبل.
المقال يتحدث أيضا عن التحديات الجديدة للجيل القادم والحاكم لأمريكا، والذي تجاوز عقدة الحقوق المدنية والسياسية إلى الأجيال الجديدة من الحقوقـ والمرتكز أساس على مجابهة ما سماه الثالوث المقدس الجديد: المساس بالانتماء العرقي أو الجنسي أو الطبقة الاجتماعية.
خلاصة هذه المجزوءة أن الإغراق في تبرير وجد إعادة ضبط عقارب الرهانات الحقوقية وفق الأجندات الدولية المتحركة، هو قول محافظ ومبرر للانتهاكات، حتى لو كان هناك انفلات من العقاب جزئي ولكن على المستوى العام النضال الحقوقي الدولي والإقليمي والوطني، بمقاربة تكاملية بين المستويات الثلاث له رهانه على المدى البعيد.
كما أن هذا الخطاب التبريري هو ما يبحث ويسعى إليه اليمين، فيتقوى داخله ويحشد أنصارا جددا من الصحفيين والحقوقيين والسياسيين والاقتصاديين…
ثانيا: أنظمة الأمم المتحدة
لابد من الإشارة أن نظام الأمم المتحدة قائم على مبدأ التعاون بين الدول، وهو نظام لا نجد فيه البعد الزجري إلا وفق الباب السابع من ميثاقه، فهو يعتمد بالأساس التكامل القضائي بين القضاء الوطني والدولي، وليس بديلا عنه إلا في حالة انهيار القضاء الوطني أو استغلاله من أجل قمع الحريات وتصفية الحسابات السياسية، كما الحكومات تشتغل بنوع من التوافقات والترضيات كقاعدة عامة، ومع استنثاءات عندما تتحول القضايا الحقوقية إلى قضايا مرتبطة بالسياسات الدولية الكبرى، وتتدخل أجهزة أممية أخرى من قبيل مجلس الأمن الدولي.
ولابد أيضا من التمييز بين نظام الأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان والمتمركز بجينف وجهازه مجلس حقوق الإنسان الحريص على السياسة الحقوقية الدولية، ونظام الأمم المتحدة المعني بالسياسات المالية والاقتصادية والعسكرية الجيوسياسية والمتمركز بنيويورك ويقابل مجلس الأمن والجمعية العامة والمجلس الاقتصادي والاجتماعي بلجانه المتعددة.
فما ورد في مقالة الصديق دافقير متعلق بالمنظومة الثانية وليس الأولى.
والمجتمع المدني استطاع أن ينتزع عدة مكاسب على مستوى تموقعه في هذه المنظومة الدولية، بأن أصبح شريكا دوليا للهيئات الحكومية، وأحيانا أخرى “عدوا” لها.
لهذا ومن سنوات تشارك جمعيات متعددة في جميع دورات والأجندات الدولية، في مقابل ضعف مشاركة المجتمع المدني المغربي، وهو الشيء الذي أثر بشكل كبير على صورة المغرب الدولية.
نؤكد أن عدم المشاركة السابقة للمجتمع المدني المغربي في الدورة العالمية لحقوق الإنسان أثر على صورته وأيضا على قضاياه الاستراتيجية وخاصة منها قضية الصحراء المغربية، لعدة عوامل، أهمها:
أولا: عدم مشاركة المجتمع المدني المغربي أمام هيئات الأمم المتحدة في كل شعباتها، يعطي الانطباع ان المغرب لا يلتزم بأهم ركن في المعايير الدولية والتي أوصت بها كل أجهزة مجلس حقوق الإنسان، بتقوية قدرات الجمعيات العاملة في مختلف مناحي الحياة الحقوقية من أجل الترافع أمام هيئات المجلس.
كما أنه يوحي كون المغرب لا يلتزم بالإرشادات الدولية التي تفرض على الدول جعل الجمعيات شريكة في إعداد وتنفيذ وتقييم التقارير الرسمية/الوطنية المنجزة من قبل الحكومات.
ثانيا: المتتبع لنشاط الجمعيات الموالية لأطروحة البوليساريو، هو نشاط حيوي وكبير داخل أروقة الأمم المتحدة، فعندما نجد مثلا وجود عشرات التقارير الموازية من قبل الجمعيات التي تدعي وجود انتهاكات حقوقية في الأقاليم الصحراوية، في مقابل تقارير على رؤوس الأصابع تتحدث عن الانتهاكات في باقي ربوع المملكة، فإن القناعة المتولدة لدى المنتظم الدولي أنه بالفعل هناك انتهاكات ممنهجة تجاه الصحراويين، وأن المغرب يعيش جنة حقوقية في شماله وجحيما في جنوبه، مما يتطلب أن تكون هناك آلية “دولية” لمراقبة هذه المنطقة المستهدفة من الانتهاكات بشكل مكثف ومتواتر ومقصود.
نفس المنطق نجده أن في كل دورات مجلس حقوق الإنسان عندما تتقدم عشرات الجمعيات الموالية للانفصال عن المغرب، تتقدم بأسئلة شفوية ضد المغرب في مقابل صفر مداخلة شفوية تتحدث عن الخروقات في باقي ربوع المغرب.
لا يخفى على أحد أن عددا من الجمعيات في الأقاليم الجنوبية لا تمنح لها وصولات الإيداع القانوني، ولكنه نفس الشيء نجده في طنجة ووجدة والرشيدية، وعددا من التظاهرات التي تم تفريقها بالقوة في العيون، ونفس الشيء يقع بشكل شبه يومي بالرباط أمام البرلمان وفي جرادة والحسيمة، أم سجن بعض المدافعين عن حقوق الانسان بالعيون بتكييف قانوني متعدد، نجد نفس الشيء في الدار البيضاء وسلا …
فما الأفضل أن يتكون رأي أمام المنتظم الدولي بكون الخروقات يعرفها المغرب في كل مناطقه، أم أن هذه الخروقات تمس فقط الصحراويين بسبب قناعته ب”الاستقلال”؟
ثالثا: ما بعد الربيع “العربي”، تحولت عدد من الجمعيات الدولية من الاشتغال على مناطق توتر في عدد من بؤر الصراع في العالم، إلى الاصطفاف بين تيار قطر أو تيار السعودية والإمارات.
لا نقصد هناك كل المنظمات الحقوقية، بل هناك منظمات حقوقية مستقلة وجادة وتشتغل وفق مقاربة حقوقية صرفة، ولكن هذا لا يمنع من وجود منظمات، معروفة داخل أروقة الأمم المتحدة، بكونها “لوبيات” تتعامل مع قضايا حقوق الإنسان بمنطق تعاقد “بزنس” مع بعض الدول، وهو عمل مشروع وقانوني ما دام يحترم المساطر والقوانين.
هذه المنظمات التي تحاول أن تقدم خدماتها “الحقوقية” للدول المانحة، قد تجتهد للدول في الحصول عن ملفات، قد تكون مطلوبة منها أو اجتهادا منها، والمغرب غير معزول عن هذه المنظمات عندما تكون بعض مصالحه تمس مصالح دول أخرى.
إن ترك الساحة الدولية لهؤلاء المنظمات، لأن الطبيعة لا تترك الفراغ، سيدفع بلا شك أن يصبح المغرب في يوم ما موضوع موادها وتقاريرها وتصريحاتها.
فمن الأفضل أن يكون المغرب مراقبا على المستوى الدولي من قبل أبنائه الحاملين لمشروع دمقرطة الدولة وتعزيز الحقوق والحريات؟ أم مراقبا من قبل أناس حاملين لـ”شيك” بيترودولار؟!
خلاصة هذه المجزوءة أن مجتمعا مدنيا قويا وفاعلا ومهنيا أفضل من مجتمع مدني مخمول ولا يتجاوز أن تُقاس له أدواره كديكور الصور وملء المقاعدة والبهرجة.
ثالثا: على المستوى الوطني
نذكر الصحفي يونس دافقير أن الدولة المغربية أنفقت الملايين من الدراهم من أجل تكوين جمعيات عاملة في مجال الإعاقة والمرأة والطفولة والحقوق بشكل عام، من أجل تقوية قدراتها للتفاعل مع الاليات الأممية.
فمنذ سنة 2011 عقدت كل من المندوبية الوزارية لحقوق الإنسان ووزارة العدل ووزارة الدولة المكلفة بحقوق الإنسان عدة شراكات مع المجتمع المدني بهدف أن تساهم هذه الأخيرة بتقارير موازية أمام الهيئات التعاقدية والاستعراض الدوري الشامل وتقديم شكايات أمام الإجراءات الخاصة، ومن مقاله الذي يعتبر أن اللجوء للأليات الدولية نوع من التأزيم، فهل نسجل أن الحكومة أخطأت ووجب أن تعيد كل تلك الأموال؟ أم أن المقال والحكومة لم يتوقعوا أن تكون تحركات المجتمع المدني منفلتة عن المراقبة والضبط؟
كما تطرق صاحب المقال أن تقارير المنظمات الدولية تخضع لتقريع مهني من قبل الحكومات، وهو قول ملغوم، فالفعل كلما صدرت تقارير تنتقد الوضع الحقوقي ببلادنا من قبل منظمات غير حكومية دولية أو وطنية وإلا وأجابت الحكومة، بأنها تقارير فاقدة للمهنية ومنحازة وغير موضوعية، وأن الحكومة سوف تصدر تقريرا يفند كل الادعاءات فيما بعد، هذه اللازمة الكلاسيكية والمشروخة منذ سنوات، تسائل الصديق الصحفي يونس دافقير وهو العامل في مجال الاستقصاء والبحث عن المعلومة، أن يمدنا بتقرير واحد ومتكامل فند ادعاءات المنظمات الحقوقية !!
بالرجوع لرهانات الحكومة في علاقة بالمجتمع المدني، مشروع السيد مصطفى الخلفي بتقوية مهارات الصحافيين والمدنيين من أجل الدفاع عن الوحدة الترابية، وهو المشروع الذي حمله معه من وزارة الاتصال إلى الوزارة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، مشروع لا يمكن أن يوصف إلا بــــــــــ”الهلواني”، لعدة أسباب:
أولا: منذ انطلاقه أي المشروع لم نجد أي أثر له على مستوى الممارسة، فلا يمكن أن نضيف سنوات من العمر الحكومي والممارسة الاتفاقية وهدر المال العام، على مشروع بدون نتائج.
ثانيا: مشروع الخلفي يستند على نشر المعرفة بالآليات الدولية للدفاع عن القضية الوطنية في المحافل الدولية، ويستهدف جمهورا “عشوائيا”، في حين أنه يمكن الانطلاق من الموجود وليس من الصفر.
ونقصد بذلك وجود حوالي 24 جمعية مدنية وحقوقية مغربية لها صفة ECOSOC الممنوحة من قبل المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة، وهي المنظمات التي يمكن الترافع معها أمام الهيئات الأممية، إذ هي من تستطيع لعب دور “اللوبينغ” والحشد والمناصرة، والتي يجب أن تكون على رأس المكلفين بالدفاع عن الصحراء في المحافل الدولية وبشكل فرعي جمعيات أخرى تحمل المشعل فيما بعد، لأن المعركة يومية والسيد الوزير الخلفي أضاع أزيد من خمس سنوات في مشروع لم ينتج أي أثر بعد.
ثالثا: مشروع السيد الخلفي بدون رؤية ولا استراتيجية، فيكفي أنه حوله ككل في رمشة عين من مجال الصحافة إلى المجال المدني، وهما حقلان مختلفان تماما في مقاربتهما وآليات اشتغالهما.
هذا الفشل يدفع الدولة المغربية للاستعانة في المحافل الدولية ببعض الجمعيات المتواجدة في فرنسا لعل في مقابل تتغاضى عن الكفاءات الوطنية والهيئات المدنية الجادة والمهنية.
لتوضيح الفكرة بشكل أكثر تدقيقا نضرب مثالا بسيطا جدا، في كل دورة من دورات مجلس حقوق الإنسان بجنيف يحق للجمعيات الحاصلة على الصفة الاستشارية أن تتقدم بتصريحات شفوية، وغالبا يكون العدد من 10 إلى 15 مداخلة، ودائما نجد ما بين 5 إلى 7 جمعيات موالية للطرح الانفصالي تقدم “قصفا” ضد المغرب، فالسؤال الجدي ماذا لو فتح الباب أمام الجمعيات المغربية العاملة في الإعاقة أو الطفولة والمرأة والحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاجتماعية والثقافية والحقوق البيئية وغيرها من الحقوق للمشاركة في مساءلة الحكومة المغربية أمام المنتظم الدولي؟ بهذه العملية يساهم المجتمع المدني المغربي في سد الطريق على أعداء الوحدة الوطنية، ليس بالبروباغدا الخاوية أو البهرجة، بل من المنطلق الحقوقي الصرف وفي متابعة الشأن الحقوقي الوطني من خلال النوافذ الدولية؟
خلاصة هذ المجزوءة، فتدويل القضايا الوطنية ليس عملية ظرفية حسب ما قدمه الصحفي يونس دافقير، بل عملية استراتيجية بأبعاد متعددة.
رابعا: عود على بدء
بالعودة لسؤال المنطلق، من المخاطب في المغرب؟ يجد سنده بكون الحكومة لا تتفاعل مع مطالب المجتمع المدني فيما يتعلق بالحقوق والحريات، والبرلمان عاجز عن التشريع والقضاء لا يسمع لنبض المجتمع، قضاء مسطري أصبح يستعمل لتكميم الأفواه وليس قضاء مواطن وقضاء يجتهد داخل النص القانوني لتوسيع الحريات وفق المقاربة الحقوقية بل يضيقها بشتى أنواع المبررات خارج دائرة القانون الدولي لحقوق الإنسان.
توجد ضمن الهيئات الأممية عشرات الآليات الدولية، والتي ترتكز على مبدأ التدرج من الانتصاف الوطني إلى الإقليمي وأخيرا الدولي، باستثناء آلية الإجراءات الخاصة التي يمكن أن تتدخل حتى لو كانت القضية جارية أمام القضاء، هذه الأخيرة، لو حكم بالعدل وفق المعايير الدولية، فإنه يسد على الفريق الأممي المعني بالاختفاء القسري التدخل المشروع في الشأن الوطني.
أمام الفاعل المركزي بالمغرب وهو الملك، فإننا نرى أن اللجوء إليه يجب أن يكون آخر الملاذ، فالمؤمن بالملكية البرلمانية يدفع أن تبقى المؤسسة الملكية في منأى عن التدافع والصراع والاختلالات التي يعرفها تدبير الشأن العام، وتبقى مؤسسة فوق المؤسسات، أما أصحاب اللجوء إليها دائما، فإنهم لا يزكون فقط النفس التنفيذي للملكية بل يرهقونها بالمطالب المتعددة و يستنزفون من مشروعيتها الاجتماعية.
خلاصة هذه المجزوءة، الترافع الدولي ما هو إل حلقة صغيرة ضمن رقعة كبيرة من المرافعات الوطنية، الذي يسعى إلى تسريع الحل وليس تأزيمه …
ختاما:
سجل الصحفي يونس دافقير في أن “اليسار” صار محاميا للحكومات أكثر حرفية وصدقية، واستند في مقالته على مقولة لنائبة برلمانية سابقة عن العدالة والتنمية، حيث بها بدأ الاستشهاد وبها ختم الاستهلال، فما هكذا يا “يونس” تورد الإبل، حيث أصبح حزب العدالة والتنمية مرجعا في السياسات الحقوقية !!