الصحافة _ كندا
يعتزم الاتحاد الأوروبي فرض قيود صارمة على البنوك الأجنبية العاملة داخل أراضيه، وهو ما سيؤثر بشكل مباشر على تحويلات المغتربين المغاربة المقيمين في أوروبا. هذه الخطوة تأتي في سياق صعود اليمين المتطرف إلى الحكم في عدد من الدول الأوروبية، وتشديد السياسات تجاه المهاجرين، وسط أزمة اقتصادية عالمية متفاقمة.
وفقًا لأحدث إحصاءات مكتب الصرف المغربي، بلغت تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج 117.7 مليار درهم (11.7 مليار دولار) خلال 2024، مسجلة ارتفاعًا بنسبة 2.1% مقارنة بعام 2023، مما يجعلها المصدر الأول للنقد الأجنبي في المملكة. مع ذلك، فإن القيود الجديدة قد تعرقل تدفق هذه الأموال، خاصة مع إلزام البنوك الأجنبية، بما فيها المغربية، بإنشاء فروع محلية تخضع للوائح الأوروبية، ما سيؤدي إلى زيادة التكاليف وانخفاض حجم التحويلات.
هذه الخطوة أثارت قلق السلطات المغربية، رغم تأكيد الاتحاد الأوروبي أن القرار يستهدف في الأساس البنوك البريطانية بعد خروج المملكة المتحدة من التكتل الأوروبي. لكن خبراء اقتصاديين يرون أن الأمر يتجاوز بريطانيا، ويعكس سعي أوروبا إلى إحكام قبضتها على التدفقات المالية الخارجية لتعويض خسائرها الاقتصادية المتوقعة.
الخبير الاقتصادي المغربي عمر الكتاني يرى أن هذه الإجراءات تأتي في سياق أزمة اقتصادية متصاعدة بعد عودة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلى السلطة، حيث تتجه أوروبا نحو خسائر مالية بسبب فقدانها لعائدات تكرير النفط بعد إطلاق نيجيريا لمصفاة ضخمة بقيمة 20 مليار دولار، وهو ما يجعلها تبحث عن موارد مالية جديدة.
المغرب بدوره دخل في مفاوضات مع الاتحاد الأوروبي لبحث سبل التخفيف من تأثير هذه القيود، لكن الكتاني يرى أن المملكة قد تخضع لبعض الشروط التي قد تحد من مرونة التحويلات المالية. ومع ذلك، تمتلك الرباط أوراقًا تفاوضية قوية، مثل الامتيازات الضريبية التي تمنحها للاستثمارات الأوروبية، والتي يمكن استخدامها كوسيلة ضغط في المفاوضات.
في ظل هذه التطورات، تبرز الحاجة إلى بدائل اقتصادية تقلل من اعتماد المغرب على تحويلات المغتربين، خصوصًا أن أكثر من 60% من تجارته الخارجية ترتبط بالاتحاد الأوروبي. ويرى خبراء أن الحل يكمن في تعزيز الصناعة الوطنية، وإطلاق إصلاحات اقتصادية ومالية تضمن استقلالية الاقتصاد المغربي، بدلاً من الاعتماد على عوامل غير مستقرة مثل تحويلات الجالية، عائدات السياحة، والأمطار في القطاع الزراعي.
في المقابل، لا يمكن تجاهل الدور الحيوي الذي تلعبه الجالية المغربية في أوروبا، حيث تساهم في تحريك الاقتصاد الأوروبي عبر مختلف القطاعات الإنتاجية. وهو ما يفرض على الدول الأوروبية التفكير مليًا في تداعيات هذه الإجراءات، التي قد تؤدي إلى نتائج عكسية على اقتصاداتها قبل أن تؤثر على الدول المستقبلة للتحويلات.
الحكومة المغربية أكدت أن الاستثمارات الأجنبية في 2024 سجلت أفضل أداء في تاريخ البلاد، حيث بلغت 4 مليارات دولار خلال الأشهر التسعة الأولى من العام، مما يعكس أهمية تنويع مصادر الدخل القومي. ومع استمرار التحديات الدولية، يبقى الرهان الأساسي هو تقوية الاقتصاد المحلي، وتعزيز الاستثمارات في قطاعات حيوية مثل السيارات والطيران، لتقليل التأثر بأي اضطرابات مالية خارجية.